الرضاب المعسول في جود
الرسول عليه الصلاة والسلام
على بن عبد الخالق القرني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله قدم نبينا على كل نبى ارسله , وكتابنا على كل كتاب انزله , وجعل امتنا الاخيرة الاول ,فله الشكر من معتقد انه به وله , لاغنى الا فى طاعنه ولااعز الا فى التذلل لعظمته , حمدا لمن له البقاء والدوام , حمدا لمن اخرجنا بنوره الحق وهديه القيم من غياهب الظلاما , حمدا لربنا اللطيف والخبير , القاهر الشميع والبصير , الفالق والاصباح والنوى مجير من به استجار , حمدا له منزل الانفال والاعراف والانسان والانعام , على نبيه محمدا افضل خلقه عليه افضل الصلاة والسلام
الحمد لله مجيب من دعا , وفاتح الباب لعبد قرعا ,
فهو الذى من بارسال الحبيب فياسعادة المنيب المستجيب
الحمد لله على نعمائه , والشكر للمولى على الائه
حمداً جزيلا مسرمدا، متصلا بلا انقطاع أبدا،ًوأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له المليك القادر الواحد البر العزيز القاهر، يرى دبيب النملة السوداء، فوق بهيم الصخرة الصماء، في ظلمات الليلة الليلاء، وسامع للجهر والإخبات ، بسمعه الواسع للأصوات، وعلمه بما بدا و ما خفي احاط علما بالجلي والخفي
سبحانه ماذا يقول البارع في كامل ليس له مضارع،
واشهد ان محمدا عبده ورسوله ,وصفيه من خلقه وخليله ,نبى صدق هدت انوار شرعته بعد للهدى من كان عنياتا , احيا به الله قوما سعد همو , كما امات به قوما طواغيت ,واصبحت سبل الدين الحنيف به عوامر بعد ان كانت امارتيا , تركنا على البيضاء ليلها كنهارها من سلكها ماضل ولا زل
وما ذل ولا غل وما كل ولا مل وما خاب
فصلوات الله تترا والسلام ما اشرقت شمس وما غنت على الايك الحمام
ماطاف بالبيت الحجيج وما دعا فيه الانام ما رتلوا من ما امنو خلف الامام , مارددت التكبير فوق ماذن قد عانقت كبد الغمام , على النبى المصطفى الهمام , مانزل القطر من الغمام , واختلف الضيا مع الظلام , والال والازواج والاصحاب والتابعين من اولى الالباب
(( ياايها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون )) أما بعد:
فيا ذخر الإسلام ، مستودع الآمال, ونساخ الآلام, روح الأمة الحية وطليعتها الوثابة .
صبحها المسفر , و دوحها المثمر, عقود الجمان, وقلائد العقيان, رواد الروض ,ووراد الحوض , عسكر الرياحين، وزهر البساتين، هداة الركب إلى العالية ,وهداة القافلة في السهل والرابية، من احسب أنهم أهل لهذه القافية:
قوم هم دعم الهدى لا تعدون عيناك عنهم إن ترد دعم الهدى
الراشدون المرشدون إلى الهدى و الواردون المصدرون الوردا
لو حاولوا نيل السماك بعزمهم نالوا الثريا بعده والفرقدا
وإذا ادلهم ظلام ليل جهالة بزغوا ففاقوا النيرات توقدا
وإذا اشتكى لفح السموم أخو صداً أجروا من السلسال بحراً مزبدا
وتقدموا يهدونه في سيره ليروده حتى يروه الموردا
راحوا المعارف إن تعاطوا كأسها لم يدفعوا عنها نديما عربدا
ذكراكم في الصدر منقوشة, وحبكم في الله مستكمل, حللتم قلبي وهو الذي يقول في دين الهوى بالحلول .
نضر الله وجوهكم معشر الأبرار ,وقوى بكم الأحرار, ودفع بكم الأشرار ,وبارككم بالعشي والإبكار, في ليلة لا أرى فيها إلا المغوار وأبا المغوار وسبط المغوار وحفيد المغوار , أحييكم بتحية الإسلام. تحية أصفى من الزلال , وأظفى من سابغ الظلال (فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
سلاما مثل شهد بالزلال وكالمسك الذكي وكاللآلئ
سلاما ألطف من الشمول وأحلى من الرضاب المعسول
سلاماً يحاكي صيتكم في المعاشر ويزري بعرف المسك والند عرفه فما هو إلا في الخواطر
حياكم الله وأحياكم للأمة ، تحيون مآثرها , وتجددون مفاخرها, وتوفون بوعودها, وتقومون بحقوقها ,أيدكم الله وتولاكم وأمدكم بالمكارم وأولاكم, وحرسكم من المكاره ووقاكم, وأصعدكم ذرى المجد ورقاكم .
أطال الاه الناس فينا بقاءكم لإحياء معروف ورمس المناكر
سدد الله خطاكم وهداكم وتولاكم إله العالمين.
معشر الأخوة............
من قضى الله له أن يتحدث عن الأمة في ماضيها القريب
فقد سيق له نوع من الغنى لايعرفه الناس وخير منه الإفلاس
فليست من معنى الأمة في شئ إلا بضرب من التجاوز والإبساس,
فليس يهمها إلا بطون معودة على أكل المحاشي
بيت يموت الفار خلف جداره جوعا وبيت بالموائد متخم
تأكل الذل وتستسقي الظمأ وتنادي لا أريد إلا السلاما
فما منعت جارا , وما نفعت أخاً ,وما دفعت ضيماً ,وما رفعت رأساً ،
ثم استفاقت بفضل الله أولا وآخرا على وقع الحوادث, وإلحاح العوادي , وحلول الغير ,ونعيق النعاة , وتلاعب الأيدي السفيهة , تعلن حياتها وتثبت وجودها وتستأنف تاريخها وتبني مستقبلها بيدها . وتفرق بين الندى والسراب وبين الحقيق وبين الخداع, فتداعى عليها الأعداء ليردوها إلى النوم الذى نفضته جفونها والمهاد الذي جافته جنوبها
قامت قيامة كفرهم لما رأوا نور الإله يسير في بحر وبر
فتداعوا فى هجمة فكرية لطمس هوية الأمة وإذابتها في الثقافة الغربية المفلسة الدنية .
فقال قائلهم يخاطب قومه : (لتكن لكم نعومة الأفعى فى الزحف إلى قلوب المسلمين لأن المسلم لا يغير دينه بسهولة فلا بد من تخديره قبل فتح بطنه كما يفعل الجراحون)
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري
غزاة اليوم كالطاعون يخفى وهو مستشري
(وودوا لو تكفرون) وظاهرهم من بني جلدتنا فلول تنتسب لعامر و سلول ,معمولة لعامل واحد في ظرف واحد, سفهاء أحلام صعافقة لئام طغام رضعوا فكره واشتد عودهم على سحته وضمن لهم فتات من قوته على أن يعبدوا الأصنام ويجبوا دعوة الإسلام ، دعاة على أبواب جهنم بشتى السبل المعلنة والخفية أعداء كل ذاب عن الفضيلة تسيرهم الأهواء والمصالح الشخصية يرفعون بيد لواء الإصلاح والتصحيح وبالأخرى فأساً يهدمون به الدين الصحيح
فحماتها وبهم يدم خرابها وعلى يديهم بيعها وشراؤها
فينيلون باقل ثغر قس ويعيرون ماجر جود حاتم
كلهم متحف الغباء وكلن يدعي انه محيط المعاجم
بعوض يدعي علم المدينة وفي الصحيفة والقناة والشبكة طنينه
لا يميز بين الصبح و الغلس ولا يبحث إلا في الريح والسلس
فإن لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا قلع العمامة
طليس لا يفرق بين آدم وإبليس
يقدم لبني جلدته الشر باسم الخير ليغرهم
ثم يبيعه ملفوف في ثياب الخير ليغشهم
ثم يمن عليهم بذلك فيحتقرهم ، ثم يفرض عليهم هو ووليه أن يشكروه ليذلهم.
وإذا قيل له أيها العجل صمتا قال إني بذل قومي فخور ، لأن أبا لهب لم يمت وكل الذي مات ضوء اللهب فقام الدخان مكان الضياء له ألف رأس وألفا ذنب ، ومازالوا يرمون النبال وتتكسر النصال على النصال ظانين أنهم قادرون على هدم صرح أطنابه في أعماق الأرض مع إعادة العملاق إلى نومه وأنى لهم ذلك.
عادوا بخيبتهم والأرض تلفظهم والريح والصخر والأشجار والغار
فكل إفك وبهتان يراد به محو الحقيقة لا ينجو من العطب
كناطحي صخرة يوماً ليوهنها من البلاهة قطع الصلب بالخشب .
أنى يستطيب المهاد أو يعاود النوم من لفحته الشمس المهجرة وفاتته الركبان المبكرة واستشعر التخلف واعتزم اللحاق هذا ما لا يكون (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) .
كم من دعي عدى نحوي لينطحني فعاد من صخرتي والقرن مكسور
أفاقت الأمة على ضجيج وعجيج من أصوات اختلط فيها الناصح بالغاش, وفتن التبس فيها الحق بالباطل فأيقنت أن لا خلاص لها إلا بالعودة حقا إلى ميراثها الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , من تدرع به ملك حاضره ومستقبله بأزمته واتقى مذمته ومن أعرض عنه فهو كالعطشان أدلى دلوه جوف بئر ما بها قطرة ماء
فثوب داعى الأمة إلى أخلاق القرآن في سيرة وشمائل من خلقه القرآن عليه الصلاة و السلام فهي الصورة الحقيقية التطبيقية الحية للإسلام والإيمان والإحسان ، كوكب يهتدي به المدركون ، غيث ينتفعه الظامئون ، ألذ وأحلى من العافية وعيشته عيشة راضية ،وهو ميدان يعز علي أفارقه وأرجو ان ألقى الله وأنا فيه ، وها انا ذا أحاول من سنين إن أحصر مجال القول إلا فيه والحديث إلا عنه
طلقت نعت سواه من قبل عقد النكاح
فلست أرى مؤثرا ما حييت عليه نديماً إلى المحشر
فريحانتي طيب أخلاقه وعندي هي الورد والعبهر
فمن نفح إلى عرف و إيماض وإكليل وذا رضاب سائغ طعمه لي كل وقت منه كأس دهاق
الرضاب
ما الرضاب يا معاشر الأخوة ؟؟
الريق والماء العذب رضاب ، الندى على الشجر رضاب ، رغوة العسل رضاب ، قطع السكر والثلج والبرد رضاب ، فتات المسك رضاب ، لعاب النحل رضاب ، ورضابنا الليلة يجمع ذلك كله ويفوقه، يلذ كأنه روح وراح، ويسري في العروق وفي العظام إنه
الرضاب المعسول في جود الرسول عليه الصلاة والسلام .
أشهى وأحلى من أقاحي الروض في اليوم المطير ، إنه رضاب فحواه .
لقد اجتمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يجتمع لإنسان قط ، فكل ما تفرق في البشر من صفات عالية وأخلاق سامية ، متضمن في أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم كسحائب العقيان والمرجان والدر النشير ،
وجدت خصال الناس في الخير فرقت
وقد جمعت فيه الخصال المفرقة
وقد أصبحت في كل غرب ومشرق مغربة أخلاقه ومشرقه
إذا ما جرى في محفل طيب ذكرها حسبت به ثارات مسك مفتقة
سأترك نعت الناس إلا نعوته وإلا فأم الشعر مني مطلقة
إنه رضاب يصدع بمر الحق ، عابد الدرهم والدينار قائلة دنوت وتعست وانتكست إنها بلغة وليست مقراً لبني الطين فاتعظ يا حمار ، واملأ فؤادك رحمة لذوي الأسى لا يرحم الرحمن من لا يرحم .
رضاب يقول: زينوا المقال بالفعال أيها الرجال
من خالفت اقواله أفعاله تحولت افعاله أفعى له .
إنه رضاب سام حنظل صاب على كل أهوج أعوج أفحج من زبالة بزالة غزالة غسالة بوالة حثالة حفالة
أشر ببطنته يرابح من دنا ضخم المقز شديد شغب الشاغب
وإذا تمرغ عد ألف كاملة يدع المراغة مثل أمس الذاهب
أشر عباد الله من كل ساقط يزدري الطهر وفي أكنافه وسخ العرض وآلاف التهم من رعاء أقزام يدنسون كلام الملك العلام و يتطاولون على قدر علم الأعلام ، وسيد الأنام عليه الصلاة والسلام ، ويتهادون أوسمة الخزي والعار والفروسية في الوقاحة والدعارة ليعيدوا لمعالي ثعلب الحي إعتباره ، كي يجيد الغوص في ماء المجاري بمهارة .
إخزا خزيت خزاية لا تنفد أ علي تبرق يا زنيم وترعد
وتقول زورا يا لقيط وتكذب
أتريد أن تضع الحبيب محمد عن قدره فاخسأ فذلك يصعب
أحقير شان واضع من قدر من وصل السماء فكلمته ترحب.
يا ابن الشمطاء ويا أخ الفعلة اللخناء أنهيق وعواء وخوار وثغاء وصياح ونباح و هراء ، يا سخيف السخفاء ، يا عديماً للحياء ،
هل رمحك المهزوز ليس إلا إبرة أمن الطعين بها من الإدماء
خذ مهر بكرك لا أريد سفاحها ليس السفاح بشيمة الكرماء .
يا ابن الخبيثة من أهجو فأفضحه إذا هجوت وما تعزى إلى أحد
دهمك السيل ولك الويل ، لقد رفع الله ذكره ، ولا خافض لما رفعه الله وجعل اسمه مقروناً باسمه تهتف به ملايين الشفاه ، فأين الثرى من الثريا والصحيح من المدرج والأسد من القرد والرأس من الرجلين والتاج من النعلين ، وجيد الغزال من ذيل الكلب وأين الباز من ذنب القط هل غض من بحر النقيق ضفادع والله لو قام النصارى كلهم طمعا لحجب الشمس ليست تحجب والله لو جاءوا بكل عتادهم ليشوهوا وجه الجمال لخيبوا
أخلاقه ومساعيه وسؤدده شواهد تتحدى كل متهد ولم تزل في مغانيه ترف بها منابت الشيح والقيصوم والسلم والله ما ذرأ الإله ولا برأ خلقاً ولا خلقاً كأحمد في الورى
فعليه صلى الله ما قلم جرى
أو لاح برق في الأباطح أو قباء .
ومع ذا فهو رضاب من علقم يصب على الدنس الخبيث الأشمط المتفيهق أبي الالين ، وكبير المارقين من بدت البغضاء من فمه إخسأ رقيع فما أراك مؤهلاً لتكون نعلا للنبي الأشرف ، نعال نبينا والله أغلى من الكفار طرا أجمعينا ، نعال نبينا والله أبهى واجمل من وجوه الكافرينا ، والله لو حاولت ومعك رويبضات النصارى والبشر والمواشي والبقر،أن تنال من سماء شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ما أفلحت أبدا وسيبقى حجة عليك إلى يوم الدين وشوكة في لهاتك إلى يوم يبعثون والله متم نوره ولو كره الكافرون (إنا كفيناك المستهزئين).
أي أشيمط :كم قد قتلتك بالهجاء ولم تمت إن الكلاب طويلة الأعمار ، فلتقل ما تشاء فالحق أبقى ، والمحيط العظيم ماذا عليه من سفيه إذا السفيه رماه ما ضر نهر الفرات يوما أن خاض بعض الكلاب فيه.
ويا ذا البذاء تتقاصر الأمواه عن صداء وأنت الجدير بهذا الحداء
أيا ذا الفضائل واللام حاء ويا ذا المكارم والميم هاء
ويا أنجب الناس والباء سين ويا ذا الصيانة والصاد خاء
ويا أكتب الناس والتاء ذال ويا أعلم الناس والعين ظاء
تجود على الكل والدال راء فأنت السخي ويتلوه فاء
لقد صرت عيبا لداء البغاء ومن قبل كان يعاب البغاء
وعذرا لقولي على ذا الحداء
شكا كلمي إليّ وقال تهجوا بعرضي بمثلي عرض ذا الكلب اللئيم
فقلت له تسلى فرب نجم الهوى في أثر شيطان رجيم.
ومع ذلك فهو رضاب يقول: إن الأمة التي لا تجعل الأخلاق ملاكها أمة تتعجل هلاكها ، إن حاجتنا اليوم إلى أخلاق الإسلام أعظم من حاجتنا إلى كل مطلب ومرام ، أليست فئة منا تجود بمالها ووقتها على مدار الساعة لأشهر تصفق وتتابع ما يفعله بعض الماجنين من تفاهات عبر قنوات قذرات تروج لتلك الترهات وتصوت لتزييف البطولات في برنامج كشف الأستار(ستار) ويا للعار فقد عميت أبصارهم والبصائر فكان ما كان مما لست أذكره من الهراء ومن أسفافه الداني .
وفي المقابل تبث وسائل الإعلام مشاهد القتل والدمار في جل ديار المسلمين ما تتفطر له القلوب وتقشعر الأبدان إن كان في القلب إسلام وإيمان. وما قصة الطفل كنعان عبود عنا ببعيدة حين داهم العدو الصهيوني منزلهم فهرب ثم عاد فوجدهم قد قتلوا جميع أفراد اسرته التسعة فاندفع يبكي أمام أمه وأخوته فجاءه جنود الصهيوني فقام يبكي بهستيرية ويقول: لماذا قتلتم أمي وأخوتي ولم يفعلوا شيئا اقتلوني معهم واجعلوني في حضن أمي ثم ارتمى في حضن أمه ليلفظ روحه على صدرها معانقاً لها من فرط حزنه عليها ، لتبقى الصورة الأليمة مع الصورة القذرة التي قبلها شاهدًا على ضياع الهوية وغياب الهدف والمسؤولية وعظيم الرزية وضعف الغيرة و الحمية ، ارجمينا يا جبال الأرض صخراً وارجمي منا شعورا قد تجمد
هي الأخلاق للدنيا حياة إذا ضاعت فأنذر بالخراب .
ومع ذا فهو رضاب يحرك النفوس الجامدة ، ويهز الهمم الخامدة، لتتبارى للبذل في سوق بضاعتها شرف الدنيا وعز الآخرة وقيمتها مال زائل وحال حائل فالعيش عيش الآخرة تجارة الدنيا هي الخاسرة طوبى لمن يعمل للآخرة .
رضاب يقول بقول التشييع إن الأمة اليوم مريض يتطلع للشفاء وبائس يتشوق للنعيم ومظلوم يستشرف العدل ومستعبد ينشد الحرية لكنه ليس كما يقال عنه إنه جائع يطلب الخبز إن وجده سكت
ربما تلوي رياح الجوع أعناق الزهور ربما لكنها تعجز عن لي الجذور
(الأخ الذي يصور هناك إن كان هذا تصوير لا أسمح لأحد أن يصورني ولا أبيحه وانا خصمه بين يدي الله إن لم يضعها)
رضاب يقول : يا هلوعا مستلعجا ما لشاة من نجاة في غابة الأقوياء،
مذ رفعت اليدين أصبحت قنا وسبتك العلوج سبي الإماء
قد بلغ السيل الزبا وجاوز الربا إلا تنصروه فقد نصره الله .
ونصرته حقا عض بالنواجذ على شريعته (خذوا ما أتيناكم بقوة) إن لغة الضعف لا عزة معها ولا كرامة ولا مروءة بهذه اللغة الوضيعة أنكر بعض المنهزمين بهذا جهاد الطلب ليدفع تهمة انتشار الإسلام بالسيف فيا للهيف أما في قلبه آية ، أما في سمعه قرآن ، ما عباد العباد في الأرض إلا ثمر للخنوع و الانحناء، لقد صار غاية ما يطلبه بعض المنهزمين من المسيئين لديننا ونبينا الإعتذار ، لا نريد الاعتذار من الأشرار نريد ان نقدم الإعذار إلى الله الواحد القهار بالقيام بتطبيق شريعته في كل شآن وتقديم ما في الوسع كل بحسبه لا خيار ،
انزع الجبن من فؤادك نزعاً ثم ألقه و اسحقه تحت الحذاء
لن تطيح الثمار قبل إناها إن فوق الردى كتاب القضاء ،
وما دام في جوف هامتنا جبان فكل عدو شجاع ، إنا لا ننكر إن مكر الليل والنهار من كل غربي صليبي ومتزين بقبعته قائم على قدم وساق ، وأن الأمة في حالة ضعف ظاهر ، وللضعف فقهه وأولوياته ، لكن مع هذا كله لا يجوز لها بحال أن تقول الباطل إذا لم تستطع أن تقول الحق ، والحق مر فامضغوه فإنما تحلو الحياة إذا اسيغ العلقم .
رضاب ينادي هلم هلم .. إلي إلي أنخ أيها الصادي الشديد ظماؤه ورد منهلا أحلى من الشهد ماؤه، هذه ذكرى لأرباب النهى إنما الذكرى تفيد المؤمنين وما أنا فيما اعرضه لكم الليلة إلا كالمتكلف دليلا على ضياء النهار وإشراق الشمس وإحراق النار فذلك مما لا يكاد يخفى على الصامت والناطق وعلى كل كهج فهج فكيف بالحاذق فلو إنني بجميع البحور وصفت لكنت على الساحل ،
مارام حصر معاليه أخو لسن إلا وأصبح بادي العي صميتا ،
لكنني أسال ربي الإعانة على هذا الأمر منه والإبالة وأن يكون لي ولا علي ، وعند كل مسلم مرضيا ،وأن يكون للثواب قانصا لوجهه عز وجل خالصا.
الرضاب المعسول في جود الرسول صلى الله عليه وسلم
رضاب تهش إليه النفوس ويلقى القلوب بلا آذن .. نداه ما نداه ، كرمه ما كرمه ، جوده ما جوده ، جود تود الدراري أنها قمم فيه وترجو الثريا أنها وادي كالكوكب الأزهر ، رضابه شهد وعرفه عنبر رياه من ورد وريقه كوثر. له الشمس خدن والنجوم ولائد له الدر لفظ والدراري قلائد له من براهين القرآن شواهد له الفضل ورد والمعالي موارد .
والذي أنزل الكتاب وأجرى السحاب وهزم الأحزاب وسبب الأسباب ما دب ودرج على التراب أندى كفاً ولا أسخا يداً ولا أجود نفساً من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فجوده الجود لا جود يقاس به ومن يقيس بنشر المسك حلتيتا
لوفاخرته الطباق السبع لانتكست وعاد كوكبها الدري مبكوتا
فعليه الله صلى وعليه الله سلم .
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس تطرب الأنفس من ذكر نداه طرب الإبل على لحن الحداء عطاياه أشباه السحاب تسوقها مواعيد صدق كالرياح اللواقح يؤثر المحتاج على نفسه ينوع في عطاءه يقترض الشئ فيرد أكثره أكثر منه يشتري الشئ فيعطي أكثر من ثمنه لا يستكثر شيئا أعطاه الله ولا يستقله سروره بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه من خالطه وصحبه و رأى هديه لا يملك نفسه من الندى والسماحة.
مبارك أينما كان أسرع بالخير من الريح تعم جميع ما تهب عليه من الأرض الطيبة وغير الطيبة فمعروفه يسري إلى كل طالب وفيه أنطوى شهد لذيذ المشارب قال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.
وكيف لا يكون كذلك وقد أنزل الله عليه بالأمر في الإنفاق والترغيب فيه آيات وآيات .
قد صاغه الرحمن من كرم فلو مسته راحة باخل أعداه
اليمن في يمناه حيث تصرفت أحواله ، واليسر في يسراه
أقام لأهل الجود سوقاً غلت بها مدائحهم وانحط سعر المنابح.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم .
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. الجود لفظ هو معناه وجسمه و [هيولاه ]
جبل الأنام على الخلاف ولا أرى رجلين يختلفان في علياه
يفيض بكل خير مستطاب كمثل الشهد أو حلو الرضاب أسر قلوب أصحابه و قصاده بجوده وسخائه فالدنيا بحذافيرها لا تساوي إدخال فرد واحد بالإسلام عنده علم أن الناس عبيد إحسان فكان يعطي ليتألف أناس على الإسلام عطايا عظمى فيصير من خيار المسلمين وحال أحدهم :
طنب خيامك للإقامة عنده ودع ارتحالك.
قال أنس رضي الله عنه : (إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب اليه من الدنيا وما عليها ). حال أحدهم :
والله لن أرد الأجاج فموردي عذب زلال .
لقد كان جوده عن كرم في طبعه وسماحة في نفسه مع ثقة في سعة خزائن ربه .
روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلى أعطاه ). جاءه رجل يسأله فأعطاه غنماً بين جبلين فوقف الرجل أمام صورة من كرم عظيم ملكت عليه لبه وذهبت بإعجابه فرجع إلى قومه يقول : يا قوم : أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة .
ونادى الناس بعضهم لبعض لفرط الجود حي على الفلاح.
أعطى صفوان مائة من الإبل ثم مائة ثم مائة . أعطى عطايا أخجلت دلح الديم إذ ملأت رحب الفضاء من النعم.
ادرك صلى الله عليه وسلم أن في الدنيا أقواماً يقادون إلى الحق من بطونهم لا من عقولهم فقادهم بما يحبون إلى ما يحب الله ولم يزل كذلك حتى خالط الإيمان بشاشة قلوبهم فوكلهم إلى الله.
وصفوان شاهد غير متهم يقول : والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.
فلي مهجة أشربت حبه وقلب أقر له بالولاء.
تبدل بغضه حبا وبعده قربا، استحال إنسانا بعد أن كان ثعبانا، وصار حبيبا بعد أن كان ذيبا، أصبح لا يرى في الدنيا غير محمد ودين محمد وخلق محمد صلى الله وسلم على نبينا محمد وحاله:
لألزمن لزوم الظل سنته عقدت عهدي على هذا وميثاقي .
إنها السياسة الشرعية الحكيمة ممن يعلم أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، فلو كان عنده عدد رمال الصحراء ذهباً لفرقه في سبيل دعوته ، لأنه مقيم دين وصانع رجال
يبني الرجال وغيره يبني القرى شتان بين قرى وبين رجال
ففي شرف لا سرف يفعل بالأموال يوم الندى ما تفعل الأبطال يوم الكفاح.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم.
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس جواد يرى أن الغنى الجود بالغنى وان ادخار الفانيات معاب وأن الغنى فقر إذا فاته الندى وكل سحاب لا يسح ضباب . إن رزق مالا فرقه يمينا وشمالا ، لا يمسكه في يده و لا يدخره لغده لو تحول جبل أحد من الحجارة إلى الذهب ثم صار ملكاً له ما سره ذلك حتى ينفقه في سبيل الله. تلك حقيقة سجلها اصحابه بعيدة عن التزيد والمبالغة.( فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة أمام أحد فقال يا أبا ذر قلت : لبيك يا رسول الله . قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهباً تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شئيا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى ثم قال : إن الأكثرين هم المقلون الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا من عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم).
فإن رمت أن تلقى نظيراً لجوده عجزت ورب الناس عن عد واحد.
يصلي العصر يوماً فلما سلم قام سريعاً ودخل على بعض نسائه ثم خرج إلى أصحابه ورأى ما فى وجوههم من عجب لسرعته فقال: ذكرت وأنا في الصلاة تبراً فكرهت أن يمسي عندنا فأمرت بقسمته.
مطبوع على الجود ...
الجود من اسمه وفعله وحرفه يأتلف وأحمد جوده ثابت لا ينصرف
راء كرمه تفخم ومنادى جوده لا يرخم
صوت لسانه نعم وصوت بنانه نعم
مثل عليا أضاءت للورى سبل العلياء في الليل الغداب .
ما قال لا مذ كان إلا قوله عند الشهادة لا إله سواه .
يقول جابر: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا). إن وجد جاد وإذا جاد أعاد ، وإن لم يجد وعد ولا يخلف الميعاد
وإذا تصرف فعله في جامد ما خاف بعد تصرف أن يجمدا
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. له يد كمثال السحب من كرم وقاصد البحر لا يرجو الهراميتا
هجم الأعراب عليه يسالونه بأسلوب فوضوي في عودته من حنين حتى ألجأوه إلى شجرة خطفت رداءه ، فأعلن الجود وما أسر وابتدأ و أخبر وأظهر وأضمر وحل المعمى ووضح الاسم والمسمى وعدل وقوم وصنف الأسماء والأفعال وبوب الظرف والحال وبنى وأعرب ووصل ولم يقطع وثنى وجمع وقال: (ردوا علي رداءي فو الذي نفس محمد بيده لو كان عندي عدد هذه العضاب نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوبا).
تلك الصفات لغيره لم تذكر وهي الشفاء لسامع ولمبصر
لما أعتلى شرفاً توالى سيفه والمزن ما لم يرتفع لم يمطر
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. يحدث عن جوده المشرقان وتروي جلالته المغربان أزاهيره مؤمنات العبير وأطياره قانتات الزجل. روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فقالت يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي لأكسوكها) يا لها من مؤمنة تريد ان تنعم برؤية من هو احب عليها من نفسها وهو يلبس هذه البردة التي صبرت على نفسها أياماً وأياماً وحالها:
ذاك الحبيب له حبي أقر به لحمي وعظمي وأعصابي وأعراقي .
وكان لها ما أرادت ، أخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً لها وخرج إلينا وإنها لإزاره حال سهل يلوح لي في الحال من وجهه بشر ميادين الندى والسماح
تالله ما شمت له بارقا إلا ولاح الجود من حيث لاح .
جسها ومسها رجل من القوم ثم قال يا رسول الله أكسونيها ما أحسنها فقال صلى الله عليه وسلم : (نعم)
ولا يقول نعم يوما فيتبعها منعا ولو ذهبت بالمال والولد
جلس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله في ذلك المجلس ثم رجع فطواها وأرسل بها إليه .
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
اغتاظ الصحابة من فعل هذا الرجل وزجروه وأنبوه وقالوا ما احسنت سألته إياها وقد عرفت أنه لايرد سائله ، فبين الرجل أنه محب يطلبها لا ليلبسها ولكن لينعم بها في قبره يوم يموت وحاله:
ياصاح مهلا أقل اللوم يا صاح
ولاتكونن لي بالائم اللاحى
أولم ما شئت لا وقع لتقطيع الإيدي عند رؤية يوسف، وا لله ما سألتها لألبسها وإنما لتكون كفني يوم أموت .
يهفو لها قلب ويصغي مسمع والله يعلم ما حوته الأضلع ،
قال سهل فكانت كفنه يوم مات.
فإلى جوار الأكرمين يحفهم ويحفه الرضوان والإستبرق.
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس... ما رآه الحق يوماً راكعاً لهوى نفسه ولذات [سلاته]
لو أن بعضا من سماحة كفه بيمين قارون لأصبح معدما
تهتز من طرب عطاياه فلو غن الجماد لكاد أن يترنما
شهدت له آي الكتاب بأنه منذ الولادة طاهراً بل قبلما ..
له أساليب متنوعة في كرمه فقد يلجأ إلى شراء الحاجة من صاحبها ثم يهديها له.
أستأنف النظرات في أخلاقه لأرى غرائب كلما أستأنف
وأرى لطائف بعدهن لطائف فله التليد من الندى والطارف.
ثبت في البخاري من حديث جابر قال : (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر على جمل قد أعيا إنما هو في آخر القوم فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقال من هذا ؟ قلت جابر بن عبد الله . قال: مالك؟ قلت : إني على جمل أعيا بي يا رسول الله. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجمل بقضيب فسار سيراً ليس يسير مثله فكان في أول القوم . فقال صلى الله عليه وسلم بعنيه . قلت هو لك يا رسول الله. قال: بل بعنيه بأوقية أو قال بأربعة دنانير. قال جابر: بعتكه يا رسول الله على أن لي ظهره إلى المدينة قال صلى الله عليه وسلم : لك ذلك قال فلما قدمنا المدينة قال صلى الله عليه وسلم : يا بلال اقض جابراً وزده يا بلال إقض جابراً وزده فقضاه وزاده قيراطاً. فقال جابر: والله الذي لا إله إلا هو لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان ذلك القيراط يفارق جراب جابر رضي الله عنه. قال جابر: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فدخلت عليه وعقلت الجمل عند الباب ثم أتيته وقلت هذا جملك يا رسول الله فخذه فخرج صلى الله عليه وسلم يطيف بالجمل ثم قال: الثمن والجمل لك يا جابر)
يأتي بكل بديعة في نوعها لم تخترع وغريبة لم تعهد
ما شئت من جود أرق من الصبا وبشاشة أزهى من الزهر الندي.
وصدق الله (وإنك لعلى خلق عظيم). يقول ابن عمر رضي الله عنهما : (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر لأبيه فكان يغلبني وأتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : بعنيه قال هو لك يا رسول الله وحاله وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم : بعنيه يا عمر. فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لك يا ابن عمر تصنع به ما شئت)
لكأنك بحاديه يحدو ودخلت من إحسانه في جنة ياليت قومي يعلمون بأنني
يا مكثروا الدعوة أخفضوا أصواتكم ما كل رافع صوته بمؤذن.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. عوائده ألا يخيب سائلاً فيا حبذا في الناس هذي العوائد. جواد عشق الفضل ، وعادى خلق البخل وأحيا مهج البذل، فما حاتم في الجود ولا معن له مثل. غيث يجود بماله وبجاهه ، والجود كل الجود بذل الجاه يعد بالأجر فيما أنزل عليه من الذكر (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) ويندب إلى ذلك اشفعوا تؤجروا ، ويعد على ذلك بالأجر الجزيل فيقول: (ومن مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام) وفي الصحيح (و من مشى في حاجة أخيه كان خير له من اعتكاف عشر سنين ومن اعتكف يوماً إبتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين). ويثبت ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح (أن مغيثاً عبد أسود كان له زوجة أمة هي بريرة قد عتقت ففسخت نكاحها من مغيث وذلك حق لها لأن زواجها وهي أمة إنما هو برغبة سيدها، كان مغيث يحبها حباً عظيماً، ويطوف خلفها بسكك المدينة يبكي تسيل دموعه على لحيته وبلاؤه أنه يحب من لا يحبه والقلوب بيد الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس : يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغض بريرة مغيثا. يأتي مغيث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاله أنت الندى وابن الندى وأبو الندى وحليف الندى ما للندى منه مذهب جمع القلوب مكسر وجموع فضلك سالمة اشفع لي يا رسول الله فيذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بريرة ويقول يا بريرة زوجك وأبو ولدك لو راجعتيه فقالت : وقد استقر في نفسها التفريق بين أمره وبين شفاعته يا رسول الله أتأمرني فقال صلى الله عليه وسلم : لا إنما أنا شافع. فنظرت وقد قام فى نفسها من بغض مغيث وعدم قدرتها على معايشته ما جعلها أن ترد من يعظم رد شفاعته فتقول : لا حاجة لي فيه يا رسول الله)
والحال: لم لا يذوب القلب مما به تبلى بلاء و لكن تبلى فيه ما لا يذوب.
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاد بما لديه وإن رد فلا يضيره
فالغيث ليس يبالي حيث ما انسكبت منه الغمائم تربا كان أو حجرا .
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ..
دع عنك أخطار الكرام فإنه هو زبدة يكفيكها ونموذج
هو من إذا حدثت عنه بأنه بحر فلا اخشى ولا أتحرج
طبع الندى خلق له فإن ادعى فيه سواه فأحول يتغنج.
يظهر جوده وكرمه على أمته في الحرص على نجاتهم من نار جهنم فيضرع إلى الله في دنياه وهو يردد قول الله (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) ثم يرفع يديه ويقول: (اللهم أمتي أمتي ثم يبكي فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ) هذا في دنياه أما في أخراه فكل يوم القيامة يقول: نفسي نفسي لا أملك إلا نفسي وهو صلى الله عليه وسلم يقول: أمتي أمتي أمتي أمتي. (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ... مصباح أهل الجود والصبح الذي من جاب ليل البخل لو لم يسفر
الخاطب المعروف قبل فطامه والطالب العلياء غير مقتر.
يجود بوقته وجاههه وراحته ولذته وإجمام نفسه تعباً وكداً في مصلحة أمته من ذكر وأنثى وحر وأمة
يسمو إلى القمم الرفيعة حادياً بالركب في أفق العلاء الفرقد .
في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه (إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت)
متيم في الندى لو قال سائله هب لي جميعك أرى عينيك لم ينم.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأشجع الناس
الخير يرجى من مخايل سحبه والموت يخشى من صواعق رعده
فانظر إليه ترى ليثاً وشمس علا وبحر جود براه الله في رجل
يجود في سبيل الله بيده ولسانه وقلبه طيلة عمره وعدد أنفاسه وهو أقرب الناس إلى عدوه في كل معركة وأشدهم بأساً فالأبطال الشجعان تلوذ به وتتقي به .
علم ترى في كل جارحة به يجري خضم ندى ويسطو فيلق.
في إيمان وثبات وبطولة فذة وقوة قلبية عميقة وجود لا نظير له يقسم بالله ربه لولا المشقة على أصحابه ما تخلف عن سرية .
ماضي العزيم لو استناب عزيمة عن حد كل مهند أغناه.
في صحيح مسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل)
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
فعلى ولاة أمور المسلمين امتثالا لأمر الله وأسوة بسيد البشرية وخير البرية إعداد العدة ونحن نعيش عصرا تكالبت فيه الأعداء من كل حدب وصوب على الأمة الإسلامية بدعوى نشر الحرية فما نشروا إلا الأخلاق الدنية وكل بلية وكم تدعي عفة والوجود بأصناف خستها مفعم فما هي فى الحرية إلا كمسيلمة الكذاب في النبوة بصق في بئر فنضب ماؤه وبصق في أخرى عذب فصارت ملحا أجاجا، وسقى بفضلة وضوئه نخلا فصار يابسا، وبرك على صبي ومسح على رأسه فصار أقرع، وحنك صبيا آخر فصار ألثغ، ودعا لرجل في عينيه وجع فصار أعمى. . تلك هي حريتهم ما نزلت بقوم إلا ساء صباحهم وعلا نواحهم وأبيدت خضراؤهم واستعبد أحرارهم واستبيحت حرماتهم والعراق وفلسطين وأفغان وغيرها.. شاهد غير متهم فآثامها لم تسعها اللغات ولم يحوي تصويرها ملهم أنا لم اقل كل أوزاراها تنزه قولي وعف الفم وكل جبان شجاع الفؤاد عليك إذا أنت مستسلم.
إن على الأمة ولاة ورعية أن تعمل في ضوء قول الله (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وأول مراتب الإعداد وأصله أن نجاهد أنفسنا ونروضها على الاستقامة على الفضيلة ونطهرها من مطامعها الدنية وأغراضها السخيفة وشهواتها البهيمية و نسخر جميع وسائل التوجيه لهذه القضية حتى إذا لقينا عدونا بنفوس مطمئنة وقلوب متحدة على غاية واحدة .
لن ننصر على عدونا الخارج حتى ننتصر على أنفسنا أولا . فابدأ بنفسك وبيتك أولا فمن سنة القتال (قاتلوا الذين يلونكم)
كل نقيصة فينا هي مدخل لعدونا إن أعداءنا ما سامونا الذل والهوان إلا من ثغرة أخلاقنا الضعيفة فاستعانوا بنا علينا التمسوا خائناً لدينه ووطنه فوجدوا العشرات التمسوا من يدلهم على عوراتنا وأسرارنا فوجدوا المئات التمسوا ناعقاً فى الفرقة بيننا فوجدوا الآلاف . عدونا أنفسنا أولا فلنتداعى على إصلاحها وتربيتها على الصبر إلا على الضيم والإقدام إلا على الشر والإيثار إلا بالشرف والتسامح إلا بالفرارة والتؤدة إلا في الخير المحض ، وبعدها أطلق يدي وفك الحبل من عنقي وافتح لي الباب وانظر بعد كيف ترى .
لئن لم تفعلوا يا قوم هذا سيجلو أول المكروه ثاني وقد يسوف بالإسقاء ذو ظمأ و لا يسوف بالإسقاء غصان.
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ..
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
جاد بطلاقة وجهه وابتسامته الهادئة فما أحد أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نقل عنه أصحابه و(تبسمك في وجه أخيك صدقة) ذاك مقاله . فلو مج في الماء من بسمته لأصبح مثل الفرات الزعاب.
جاد صلى الله عليه وسلم بنظرته الهادفة التي تسري إلى النفوس فتفعل فعلها فيها ، يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفه ليصير من خلص أصحابه وتحت تأثير تلك النظرة خيل لداهية من دهاة الإسلام وهو عمرو بن العاص أنه خير من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فبين أنهم خير منه فعلم أن ذلك أسلوب معاملة يسلكه مع من يجلس إليه ليدعوهم من خلاله، فود أن لم يكن سأله.
أكرم به من مرسل لا يحسب جليسه أن سواه أقرب.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ..
بدأ الندى منه فأفعال السخاء عن غير مصدر فعله لم تصدر
قل للذي في الجود يطلب شأوه أربيت في الغلواء ويحك اقصدِ
ينفق بجود وسخاء ، ويؤثر بطعامه الفقراء يحض على ضيافة أهل الصفة ويقول لصحبه من عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة فينطلق خير أصحابه أبو بكر رضي الله عنه بثلاثة ، وينطلق صلى الله عليه وسلم بعشرة. همه تسكين جوعهم وإدخال السرور عليهم ولو كلفه ذلك طعام أهله وحاله لا خير في الإنسان ما لم يؤثر، ومقاله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.
تفئ إليه الناس مثنى ومربعا وأخلاقه تحكي الرحيق المشعشعة.
فما نطق العورى ولا الفحشا أجمعا
في السلسلة الصحيحة عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزل بنا ضيف بدوي فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام بيوته وجعل يسأله عن الناس كيف فرحهم بالإسلام وكيف حدبهم على الصلاة فما زال يخبره من ذلك بالذي يسره حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نضرا وكان إذا سر النبي صلى الله عليه وسلم استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر.
كأن الثريا علقت في جبينه وفي جيده الشعرى وفي وجهه القمر
عليه جلال الحق لو أن وجهه أضاء بليل هلل البدو والحضر
قال ثوبان فلما انتصف النهار وحان وقت الطعام دعاني مستخفي لا يآلوا أن آتي عائشة فأخبرها أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً.
والغيث أهنأه الذي يهمي وليس له رعود.
فاتاها فقالت والذي بعثه بالهدى ودين الحق ما أصبح في يدي شئ يأكله ذو كبد.
قال ثوبان فردني إلى نسائه فكلهن يعتذرن بما اعتذرت به عائشة فرأيت لون رسول الله صلى الله عليه وسلم خسف
لا تسل عنه ولا عن ألمه فلقد جل الأسى عن كلمه
ضاق بالصمت وهام الصمت به
فقال البدوي وكان ذكياً إن اهل البادية معانون على زماننا لسنا بأهل الحاضر إنما يكفي القبضة من التمر يشرب عليها اللبن أو الماء فذلك الخصب.
حاله:
لكسرة من جريش الخبز تشبعني
ونهلة من زلال الماء ترويني
وقطعة من غليظ القطن تسترني
حياً وإن مت تكفيني تكفيني
قال ثوبان فمرت عند ذلك عنز لنا قد احتلبت ليس بها قطرة فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت إليه تحبحب فأخذ برجلها بسم الله ثم أعتقلها بسم الله ثم مسح سرتها بسم الله فحفلت باللبن آية لرسول الله . فدعا بمحلب فأتيته به فحلبه بسم الله فملأه ثم دفعه إلى الضيف فشرب منه شربة ضخمة ثم أراد أن يضعه فقال صلى الله عليه وسلم عل وكلما أراد أن يضعه قال له صلى الله عليه وسلم عل حتى امتلأ وشرب ما شاء الله ، ثم حلب بسم الله وقال أبلغ عائشة هذا فشربت منه ما بدا لها ثم رجعت إليه فحلب فيه بسم الله ثم أرسلني إلى نسائه فشربن ثم رددته إليه فحلب بسم الله ثم قال ادفعه إلى الضيف أخرى فدفعته إليه فقال بسم الله وشرب منه ما شاء الله وحاله :
فأعطى ثم أعطى ثم عدنا فأعطى ثم عدت له فعاد
مراراً ما أعود إليه إلا تبسم ضاحكا وثنى وعاد.
قال ثوبان ثم شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاني فلم آلو أن أضع شفتي على موضع شفته صلى الله عليه وسلم فشربت شراباً أحلى من العسل وأطيب من المسك ، مضى البدوي وحاله:
فلي لسان بحب المصطفى لهج وحبه مع لحمي بالدم امتزجا
به مكارم أخلاق الرجال غدت مكملات وكانت قبله خدجا
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناه لقبض لم تطعه أنامله
له حاجب عن كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب.
أنفق في سبيل الله كل ما وقع تحت يده و زهد ما في يدي غيره وقدم الكنوز خدمة لدينه و نفعاً لأمته وذخراً ليوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة كل فيه تحت ظل صدقته فاسمع إلى ما ترك وراءه في الصحيح من حديث عمرو بن حارث رضي الله عنه ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة في سبيل الله ) لكنه والله قد ترك لنا في كل رابية وكل ثنية أثراً فلو نطق الجماد لأخبر صلى عليه الله من في خلق لم يدر ما معناه غير الخالق.
جود بالمعنى الواسع للجود لو كان شمس لم يسعه مشرق ولضاقت عن كتم الشعاع المغرب.
جاد بعلمه فما تركنا وطائر يقلب جناحيه إلا وذكر لنا منه علما
أحيا رياض العلم بعد مماتها وكذا بعود الغيث تحيى الأربع.
و دعى إلى سبيل ربه حتى في مرض موته وهو يغرغر بنفسه الصلاة الصلاة حتى ما يفيض بها لسانه
فطال السماك بها صاعدا وحاز بها قمة الفرقد.
جاد بصبره وكظم غيظه على من أساء له فاجتمعت القلوب على محبته وهل يلقاها ويحضى بها إلا عظيم الحظ أو من صبر.
جاد بنفسه وبكل ما آتاه الله وأرخص ذلك في سبيل الله فحال كل تابع له :
وداد في مشيج دمي ولحمي وفي عظمي وفي ضاحي أديمي
شيم أرق من النسيم وأروق فأنا لها الرق الذي لا يعتق
يممتها فوجدتها بحراً زاخرا ًفغنيت عن وشل وورد هماد
كل ما ذكرته قلامة من أصبوع ودقيقة من أسبوع وقطرة من ينبوع في رياض وحياض جود المتبوع فمن يطيق حمل بستان في ردم أو روضة في حجر أو يحصي موج البحر
بحر إذا ورد العفاء وإن بدا فالبدر ماضي عشره والأربع
أثنى عليه ألهنا فليعترف بقصوره قول البليغ المصقع
صلى عليه الإله ما صدحت على فنن مطوقة الحمام السجع.
فارفع وضم وخذ بسنة أحمد في الحال معتصماً بحبل الباري وارحل مراحله واعمل كما عمل وانزل منازله أيان ما نزل.
معشر الأخوة: بهذا الخلق سجلت لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفحات مضيئة مجليات بلجين و ذهب مثقوبة آذانها وفي الثقب مثل شنوف الخرد البيض العرب فمع النصب والتعب حذفوا من تصاريف كلامهم حرف الجر وسين الطلب
سلف إذا مر الزمان بذكرهم وقف الزمان لهم مجلا مكبرا.
أبو بكر يجعل من نفسه درعاً لرسول الله وينفق ماله كله لله ويبقي لأهله الله ورسوله وقام مقاماً يشهد الحق أنه مقام على التاريخ بالتبر يطبع ، وسار في إثره الفاروق متصلاً بجوده كاتصال المتن بالسند فأنفق نصف ماله غير مرة ولو احتيج إلى البقية لجاد بلا تردد، ومد عثمان ذو النورين أشرعة والبحر يقذف بالأمواج والزبد فما زال ينفق حتى نال ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم،كذا علي الذي ضحى بمهجته فدا النبي المفدى ليلة الرصد يعرض نفسه للهلاك بنومه في فراش النبي صلى الله عليه وسلم عشية الهجرة فكان بمنزلة هارون من موسى ، وابن عوف يتصدق بمائتي أوقية من ذهب ويوصي لكل بدري بأربعمائة دينار ولأمهات المؤمنين بالعطاء الجزيل ألا سقى الله ابن عوف من السلسبيل، ويهاجر صهيب ويترك ماله لأهل مكة يشري نفسه ابتغاء مرضات الله (ربح البيع أبا يحيى)، وأبو طلحة يجود بأحب ماله بيرحاء ثم بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى السهام مردداً (نحري دون نحرك) .. (لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة وذاك مال رابح) ، سعد بن أبي وقاص يجود بنفسه وماله لله ثم يأمر أن يكفن في جبة بالية لقي بها المشركين يوم بدر ليلقى بها الله ، ويخرج مصعب من النعيم والراحة إلى بيداء الشظف والفاقة معلماً للناس القرآن داعياً للإسلام في المدينة حتى لقي الله وليس معه ما يكفن فيه ، ويجود البراء برمي نفسه بين الأعداء في حديقة الموت فيفتح الله للمسلمين بسببه ، ويجود أبو الدرداء بالإعراض عن التجارة لتلقي الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويجود خالد عن طيب نفس بالتنازل عن القيادة طاعة لأمير المؤمنين فكان سيفاً سله الله على المشركين ، ويجود أبو عبيدة بالتنازل عن إمرة الجيش لعمرو بن العاص جمعاً لكلمة المسلمين (في كل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة) ، ويجود الحسن سيد شباب أهل الجنة في التنازل عن الخلافة درءاً للفتنة وجمعاً للكلمة وإصلاحاً بين فئتين من المسلمين ، وتجود عائشة بمائة ألف أتتها في يوم فما أمست حتى فرقتها في الأرامل واليتامى والمساكين ، وتجود أم سلمة بشمل الأسرة وفراق الزوج والولد في سبيل الهجرة إلى الله ورسوله ، وتجود ذات النطاقين بما تملكه فلا تدخر شيئاً لغدها ، وفئة لم يجدوا ما يجودون فجادوا بالدمع (تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون) ، ويجود جميع المهاجرين بديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله ، والأنصار يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .
يهدو سراهم ويشدو في مواكبهم قرآنهم وحديث المصطفى العربي.
تنفست بهم الأيام وانتعشت بروحهم رئة الدنيا من الشلل
كانوا وكنا فلسنا مثلهم أبدا أن يستوي الذهب الابريز بالهلل
ومع ذا إني لأقرأ جودهم فأخالني ألقى الحباب يدا وأعتنق البراء
والأمة أمة مرحومة لا يزال فيها الخير إلى قيام الساعة بهذا الخلق عاش الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله يرشد الأعمى ويخزي من تعامى ، مجاهداً في سبيل الله مدافعاً عن دينه متصدياً للطوائف الضالة من أعداء الصحابة وآل البيت وأمهات المؤمنين
فعلى الضلال يموج موج الأبحر
يغشى العدا كالهول كالليث الجري.
هددته الطوائف الضالة كتابة و مهاتفة فلم يأبه واشتد في كشف خباياهم ولما قال إخوانه إحذرهم قال نفسي وجسمي ومالي وعرضي جعلتها فدا لديني وابتغاء مرضات ربي (إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت) حاله:
مسلم لله وجهي ويدي ولساني وغدوي ورواحي
واستمر يجود بنفسه الله فيما يحسب وبينما هو يلقي محاضرته في ندوة العلماء انفجرت قنبلة عند منصته فذهبت بثلث جسده بعينه اليسرى ورجله وأذنه
الرسول عليه الصلاة والسلام
على بن عبد الخالق القرني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله قدم نبينا على كل نبى ارسله , وكتابنا على كل كتاب انزله , وجعل امتنا الاخيرة الاول ,فله الشكر من معتقد انه به وله , لاغنى الا فى طاعنه ولااعز الا فى التذلل لعظمته , حمدا لمن له البقاء والدوام , حمدا لمن اخرجنا بنوره الحق وهديه القيم من غياهب الظلاما , حمدا لربنا اللطيف والخبير , القاهر الشميع والبصير , الفالق والاصباح والنوى مجير من به استجار , حمدا له منزل الانفال والاعراف والانسان والانعام , على نبيه محمدا افضل خلقه عليه افضل الصلاة والسلام
الحمد لله مجيب من دعا , وفاتح الباب لعبد قرعا ,
فهو الذى من بارسال الحبيب فياسعادة المنيب المستجيب
الحمد لله على نعمائه , والشكر للمولى على الائه
حمداً جزيلا مسرمدا، متصلا بلا انقطاع أبدا،ًوأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له المليك القادر الواحد البر العزيز القاهر، يرى دبيب النملة السوداء، فوق بهيم الصخرة الصماء، في ظلمات الليلة الليلاء، وسامع للجهر والإخبات ، بسمعه الواسع للأصوات، وعلمه بما بدا و ما خفي احاط علما بالجلي والخفي
سبحانه ماذا يقول البارع في كامل ليس له مضارع،
واشهد ان محمدا عبده ورسوله ,وصفيه من خلقه وخليله ,نبى صدق هدت انوار شرعته بعد للهدى من كان عنياتا , احيا به الله قوما سعد همو , كما امات به قوما طواغيت ,واصبحت سبل الدين الحنيف به عوامر بعد ان كانت امارتيا , تركنا على البيضاء ليلها كنهارها من سلكها ماضل ولا زل
وما ذل ولا غل وما كل ولا مل وما خاب
فصلوات الله تترا والسلام ما اشرقت شمس وما غنت على الايك الحمام
ماطاف بالبيت الحجيج وما دعا فيه الانام ما رتلوا من ما امنو خلف الامام , مارددت التكبير فوق ماذن قد عانقت كبد الغمام , على النبى المصطفى الهمام , مانزل القطر من الغمام , واختلف الضيا مع الظلام , والال والازواج والاصحاب والتابعين من اولى الالباب
(( ياايها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون )) أما بعد:
فيا ذخر الإسلام ، مستودع الآمال, ونساخ الآلام, روح الأمة الحية وطليعتها الوثابة .
صبحها المسفر , و دوحها المثمر, عقود الجمان, وقلائد العقيان, رواد الروض ,ووراد الحوض , عسكر الرياحين، وزهر البساتين، هداة الركب إلى العالية ,وهداة القافلة في السهل والرابية، من احسب أنهم أهل لهذه القافية:
قوم هم دعم الهدى لا تعدون عيناك عنهم إن ترد دعم الهدى
الراشدون المرشدون إلى الهدى و الواردون المصدرون الوردا
لو حاولوا نيل السماك بعزمهم نالوا الثريا بعده والفرقدا
وإذا ادلهم ظلام ليل جهالة بزغوا ففاقوا النيرات توقدا
وإذا اشتكى لفح السموم أخو صداً أجروا من السلسال بحراً مزبدا
وتقدموا يهدونه في سيره ليروده حتى يروه الموردا
راحوا المعارف إن تعاطوا كأسها لم يدفعوا عنها نديما عربدا
ذكراكم في الصدر منقوشة, وحبكم في الله مستكمل, حللتم قلبي وهو الذي يقول في دين الهوى بالحلول .
نضر الله وجوهكم معشر الأبرار ,وقوى بكم الأحرار, ودفع بكم الأشرار ,وبارككم بالعشي والإبكار, في ليلة لا أرى فيها إلا المغوار وأبا المغوار وسبط المغوار وحفيد المغوار , أحييكم بتحية الإسلام. تحية أصفى من الزلال , وأظفى من سابغ الظلال (فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
سلاما مثل شهد بالزلال وكالمسك الذكي وكاللآلئ
سلاما ألطف من الشمول وأحلى من الرضاب المعسول
سلاماً يحاكي صيتكم في المعاشر ويزري بعرف المسك والند عرفه فما هو إلا في الخواطر
حياكم الله وأحياكم للأمة ، تحيون مآثرها , وتجددون مفاخرها, وتوفون بوعودها, وتقومون بحقوقها ,أيدكم الله وتولاكم وأمدكم بالمكارم وأولاكم, وحرسكم من المكاره ووقاكم, وأصعدكم ذرى المجد ورقاكم .
أطال الاه الناس فينا بقاءكم لإحياء معروف ورمس المناكر
سدد الله خطاكم وهداكم وتولاكم إله العالمين.
معشر الأخوة............
من قضى الله له أن يتحدث عن الأمة في ماضيها القريب
فقد سيق له نوع من الغنى لايعرفه الناس وخير منه الإفلاس
فليست من معنى الأمة في شئ إلا بضرب من التجاوز والإبساس,
فليس يهمها إلا بطون معودة على أكل المحاشي
بيت يموت الفار خلف جداره جوعا وبيت بالموائد متخم
تأكل الذل وتستسقي الظمأ وتنادي لا أريد إلا السلاما
فما منعت جارا , وما نفعت أخاً ,وما دفعت ضيماً ,وما رفعت رأساً ،
ثم استفاقت بفضل الله أولا وآخرا على وقع الحوادث, وإلحاح العوادي , وحلول الغير ,ونعيق النعاة , وتلاعب الأيدي السفيهة , تعلن حياتها وتثبت وجودها وتستأنف تاريخها وتبني مستقبلها بيدها . وتفرق بين الندى والسراب وبين الحقيق وبين الخداع, فتداعى عليها الأعداء ليردوها إلى النوم الذى نفضته جفونها والمهاد الذي جافته جنوبها
قامت قيامة كفرهم لما رأوا نور الإله يسير في بحر وبر
فتداعوا فى هجمة فكرية لطمس هوية الأمة وإذابتها في الثقافة الغربية المفلسة الدنية .
فقال قائلهم يخاطب قومه : (لتكن لكم نعومة الأفعى فى الزحف إلى قلوب المسلمين لأن المسلم لا يغير دينه بسهولة فلا بد من تخديره قبل فتح بطنه كما يفعل الجراحون)
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري
غزاة اليوم كالطاعون يخفى وهو مستشري
(وودوا لو تكفرون) وظاهرهم من بني جلدتنا فلول تنتسب لعامر و سلول ,معمولة لعامل واحد في ظرف واحد, سفهاء أحلام صعافقة لئام طغام رضعوا فكره واشتد عودهم على سحته وضمن لهم فتات من قوته على أن يعبدوا الأصنام ويجبوا دعوة الإسلام ، دعاة على أبواب جهنم بشتى السبل المعلنة والخفية أعداء كل ذاب عن الفضيلة تسيرهم الأهواء والمصالح الشخصية يرفعون بيد لواء الإصلاح والتصحيح وبالأخرى فأساً يهدمون به الدين الصحيح
فحماتها وبهم يدم خرابها وعلى يديهم بيعها وشراؤها
فينيلون باقل ثغر قس ويعيرون ماجر جود حاتم
كلهم متحف الغباء وكلن يدعي انه محيط المعاجم
بعوض يدعي علم المدينة وفي الصحيفة والقناة والشبكة طنينه
لا يميز بين الصبح و الغلس ولا يبحث إلا في الريح والسلس
فإن لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا قلع العمامة
طليس لا يفرق بين آدم وإبليس
يقدم لبني جلدته الشر باسم الخير ليغرهم
ثم يبيعه ملفوف في ثياب الخير ليغشهم
ثم يمن عليهم بذلك فيحتقرهم ، ثم يفرض عليهم هو ووليه أن يشكروه ليذلهم.
وإذا قيل له أيها العجل صمتا قال إني بذل قومي فخور ، لأن أبا لهب لم يمت وكل الذي مات ضوء اللهب فقام الدخان مكان الضياء له ألف رأس وألفا ذنب ، ومازالوا يرمون النبال وتتكسر النصال على النصال ظانين أنهم قادرون على هدم صرح أطنابه في أعماق الأرض مع إعادة العملاق إلى نومه وأنى لهم ذلك.
عادوا بخيبتهم والأرض تلفظهم والريح والصخر والأشجار والغار
فكل إفك وبهتان يراد به محو الحقيقة لا ينجو من العطب
كناطحي صخرة يوماً ليوهنها من البلاهة قطع الصلب بالخشب .
أنى يستطيب المهاد أو يعاود النوم من لفحته الشمس المهجرة وفاتته الركبان المبكرة واستشعر التخلف واعتزم اللحاق هذا ما لا يكون (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) .
كم من دعي عدى نحوي لينطحني فعاد من صخرتي والقرن مكسور
أفاقت الأمة على ضجيج وعجيج من أصوات اختلط فيها الناصح بالغاش, وفتن التبس فيها الحق بالباطل فأيقنت أن لا خلاص لها إلا بالعودة حقا إلى ميراثها الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , من تدرع به ملك حاضره ومستقبله بأزمته واتقى مذمته ومن أعرض عنه فهو كالعطشان أدلى دلوه جوف بئر ما بها قطرة ماء
فثوب داعى الأمة إلى أخلاق القرآن في سيرة وشمائل من خلقه القرآن عليه الصلاة و السلام فهي الصورة الحقيقية التطبيقية الحية للإسلام والإيمان والإحسان ، كوكب يهتدي به المدركون ، غيث ينتفعه الظامئون ، ألذ وأحلى من العافية وعيشته عيشة راضية ،وهو ميدان يعز علي أفارقه وأرجو ان ألقى الله وأنا فيه ، وها انا ذا أحاول من سنين إن أحصر مجال القول إلا فيه والحديث إلا عنه
طلقت نعت سواه من قبل عقد النكاح
فلست أرى مؤثرا ما حييت عليه نديماً إلى المحشر
فريحانتي طيب أخلاقه وعندي هي الورد والعبهر
فمن نفح إلى عرف و إيماض وإكليل وذا رضاب سائغ طعمه لي كل وقت منه كأس دهاق
الرضاب
ما الرضاب يا معاشر الأخوة ؟؟
الريق والماء العذب رضاب ، الندى على الشجر رضاب ، رغوة العسل رضاب ، قطع السكر والثلج والبرد رضاب ، فتات المسك رضاب ، لعاب النحل رضاب ، ورضابنا الليلة يجمع ذلك كله ويفوقه، يلذ كأنه روح وراح، ويسري في العروق وفي العظام إنه
الرضاب المعسول في جود الرسول عليه الصلاة والسلام .
أشهى وأحلى من أقاحي الروض في اليوم المطير ، إنه رضاب فحواه .
لقد اجتمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يجتمع لإنسان قط ، فكل ما تفرق في البشر من صفات عالية وأخلاق سامية ، متضمن في أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم كسحائب العقيان والمرجان والدر النشير ،
وجدت خصال الناس في الخير فرقت
وقد جمعت فيه الخصال المفرقة
وقد أصبحت في كل غرب ومشرق مغربة أخلاقه ومشرقه
إذا ما جرى في محفل طيب ذكرها حسبت به ثارات مسك مفتقة
سأترك نعت الناس إلا نعوته وإلا فأم الشعر مني مطلقة
إنه رضاب يصدع بمر الحق ، عابد الدرهم والدينار قائلة دنوت وتعست وانتكست إنها بلغة وليست مقراً لبني الطين فاتعظ يا حمار ، واملأ فؤادك رحمة لذوي الأسى لا يرحم الرحمن من لا يرحم .
رضاب يقول: زينوا المقال بالفعال أيها الرجال
من خالفت اقواله أفعاله تحولت افعاله أفعى له .
إنه رضاب سام حنظل صاب على كل أهوج أعوج أفحج من زبالة بزالة غزالة غسالة بوالة حثالة حفالة
أشر ببطنته يرابح من دنا ضخم المقز شديد شغب الشاغب
وإذا تمرغ عد ألف كاملة يدع المراغة مثل أمس الذاهب
أشر عباد الله من كل ساقط يزدري الطهر وفي أكنافه وسخ العرض وآلاف التهم من رعاء أقزام يدنسون كلام الملك العلام و يتطاولون على قدر علم الأعلام ، وسيد الأنام عليه الصلاة والسلام ، ويتهادون أوسمة الخزي والعار والفروسية في الوقاحة والدعارة ليعيدوا لمعالي ثعلب الحي إعتباره ، كي يجيد الغوص في ماء المجاري بمهارة .
إخزا خزيت خزاية لا تنفد أ علي تبرق يا زنيم وترعد
وتقول زورا يا لقيط وتكذب
أتريد أن تضع الحبيب محمد عن قدره فاخسأ فذلك يصعب
أحقير شان واضع من قدر من وصل السماء فكلمته ترحب.
يا ابن الشمطاء ويا أخ الفعلة اللخناء أنهيق وعواء وخوار وثغاء وصياح ونباح و هراء ، يا سخيف السخفاء ، يا عديماً للحياء ،
هل رمحك المهزوز ليس إلا إبرة أمن الطعين بها من الإدماء
خذ مهر بكرك لا أريد سفاحها ليس السفاح بشيمة الكرماء .
يا ابن الخبيثة من أهجو فأفضحه إذا هجوت وما تعزى إلى أحد
دهمك السيل ولك الويل ، لقد رفع الله ذكره ، ولا خافض لما رفعه الله وجعل اسمه مقروناً باسمه تهتف به ملايين الشفاه ، فأين الثرى من الثريا والصحيح من المدرج والأسد من القرد والرأس من الرجلين والتاج من النعلين ، وجيد الغزال من ذيل الكلب وأين الباز من ذنب القط هل غض من بحر النقيق ضفادع والله لو قام النصارى كلهم طمعا لحجب الشمس ليست تحجب والله لو جاءوا بكل عتادهم ليشوهوا وجه الجمال لخيبوا
أخلاقه ومساعيه وسؤدده شواهد تتحدى كل متهد ولم تزل في مغانيه ترف بها منابت الشيح والقيصوم والسلم والله ما ذرأ الإله ولا برأ خلقاً ولا خلقاً كأحمد في الورى
فعليه صلى الله ما قلم جرى
أو لاح برق في الأباطح أو قباء .
ومع ذا فهو رضاب من علقم يصب على الدنس الخبيث الأشمط المتفيهق أبي الالين ، وكبير المارقين من بدت البغضاء من فمه إخسأ رقيع فما أراك مؤهلاً لتكون نعلا للنبي الأشرف ، نعال نبينا والله أغلى من الكفار طرا أجمعينا ، نعال نبينا والله أبهى واجمل من وجوه الكافرينا ، والله لو حاولت ومعك رويبضات النصارى والبشر والمواشي والبقر،أن تنال من سماء شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ما أفلحت أبدا وسيبقى حجة عليك إلى يوم الدين وشوكة في لهاتك إلى يوم يبعثون والله متم نوره ولو كره الكافرون (إنا كفيناك المستهزئين).
أي أشيمط :كم قد قتلتك بالهجاء ولم تمت إن الكلاب طويلة الأعمار ، فلتقل ما تشاء فالحق أبقى ، والمحيط العظيم ماذا عليه من سفيه إذا السفيه رماه ما ضر نهر الفرات يوما أن خاض بعض الكلاب فيه.
ويا ذا البذاء تتقاصر الأمواه عن صداء وأنت الجدير بهذا الحداء
أيا ذا الفضائل واللام حاء ويا ذا المكارم والميم هاء
ويا أنجب الناس والباء سين ويا ذا الصيانة والصاد خاء
ويا أكتب الناس والتاء ذال ويا أعلم الناس والعين ظاء
تجود على الكل والدال راء فأنت السخي ويتلوه فاء
لقد صرت عيبا لداء البغاء ومن قبل كان يعاب البغاء
وعذرا لقولي على ذا الحداء
شكا كلمي إليّ وقال تهجوا بعرضي بمثلي عرض ذا الكلب اللئيم
فقلت له تسلى فرب نجم الهوى في أثر شيطان رجيم.
ومع ذلك فهو رضاب يقول: إن الأمة التي لا تجعل الأخلاق ملاكها أمة تتعجل هلاكها ، إن حاجتنا اليوم إلى أخلاق الإسلام أعظم من حاجتنا إلى كل مطلب ومرام ، أليست فئة منا تجود بمالها ووقتها على مدار الساعة لأشهر تصفق وتتابع ما يفعله بعض الماجنين من تفاهات عبر قنوات قذرات تروج لتلك الترهات وتصوت لتزييف البطولات في برنامج كشف الأستار(ستار) ويا للعار فقد عميت أبصارهم والبصائر فكان ما كان مما لست أذكره من الهراء ومن أسفافه الداني .
وفي المقابل تبث وسائل الإعلام مشاهد القتل والدمار في جل ديار المسلمين ما تتفطر له القلوب وتقشعر الأبدان إن كان في القلب إسلام وإيمان. وما قصة الطفل كنعان عبود عنا ببعيدة حين داهم العدو الصهيوني منزلهم فهرب ثم عاد فوجدهم قد قتلوا جميع أفراد اسرته التسعة فاندفع يبكي أمام أمه وأخوته فجاءه جنود الصهيوني فقام يبكي بهستيرية ويقول: لماذا قتلتم أمي وأخوتي ولم يفعلوا شيئا اقتلوني معهم واجعلوني في حضن أمي ثم ارتمى في حضن أمه ليلفظ روحه على صدرها معانقاً لها من فرط حزنه عليها ، لتبقى الصورة الأليمة مع الصورة القذرة التي قبلها شاهدًا على ضياع الهوية وغياب الهدف والمسؤولية وعظيم الرزية وضعف الغيرة و الحمية ، ارجمينا يا جبال الأرض صخراً وارجمي منا شعورا قد تجمد
هي الأخلاق للدنيا حياة إذا ضاعت فأنذر بالخراب .
ومع ذا فهو رضاب يحرك النفوس الجامدة ، ويهز الهمم الخامدة، لتتبارى للبذل في سوق بضاعتها شرف الدنيا وعز الآخرة وقيمتها مال زائل وحال حائل فالعيش عيش الآخرة تجارة الدنيا هي الخاسرة طوبى لمن يعمل للآخرة .
رضاب يقول بقول التشييع إن الأمة اليوم مريض يتطلع للشفاء وبائس يتشوق للنعيم ومظلوم يستشرف العدل ومستعبد ينشد الحرية لكنه ليس كما يقال عنه إنه جائع يطلب الخبز إن وجده سكت
ربما تلوي رياح الجوع أعناق الزهور ربما لكنها تعجز عن لي الجذور
(الأخ الذي يصور هناك إن كان هذا تصوير لا أسمح لأحد أن يصورني ولا أبيحه وانا خصمه بين يدي الله إن لم يضعها)
رضاب يقول : يا هلوعا مستلعجا ما لشاة من نجاة في غابة الأقوياء،
مذ رفعت اليدين أصبحت قنا وسبتك العلوج سبي الإماء
قد بلغ السيل الزبا وجاوز الربا إلا تنصروه فقد نصره الله .
ونصرته حقا عض بالنواجذ على شريعته (خذوا ما أتيناكم بقوة) إن لغة الضعف لا عزة معها ولا كرامة ولا مروءة بهذه اللغة الوضيعة أنكر بعض المنهزمين بهذا جهاد الطلب ليدفع تهمة انتشار الإسلام بالسيف فيا للهيف أما في قلبه آية ، أما في سمعه قرآن ، ما عباد العباد في الأرض إلا ثمر للخنوع و الانحناء، لقد صار غاية ما يطلبه بعض المنهزمين من المسيئين لديننا ونبينا الإعتذار ، لا نريد الاعتذار من الأشرار نريد ان نقدم الإعذار إلى الله الواحد القهار بالقيام بتطبيق شريعته في كل شآن وتقديم ما في الوسع كل بحسبه لا خيار ،
انزع الجبن من فؤادك نزعاً ثم ألقه و اسحقه تحت الحذاء
لن تطيح الثمار قبل إناها إن فوق الردى كتاب القضاء ،
وما دام في جوف هامتنا جبان فكل عدو شجاع ، إنا لا ننكر إن مكر الليل والنهار من كل غربي صليبي ومتزين بقبعته قائم على قدم وساق ، وأن الأمة في حالة ضعف ظاهر ، وللضعف فقهه وأولوياته ، لكن مع هذا كله لا يجوز لها بحال أن تقول الباطل إذا لم تستطع أن تقول الحق ، والحق مر فامضغوه فإنما تحلو الحياة إذا اسيغ العلقم .
رضاب ينادي هلم هلم .. إلي إلي أنخ أيها الصادي الشديد ظماؤه ورد منهلا أحلى من الشهد ماؤه، هذه ذكرى لأرباب النهى إنما الذكرى تفيد المؤمنين وما أنا فيما اعرضه لكم الليلة إلا كالمتكلف دليلا على ضياء النهار وإشراق الشمس وإحراق النار فذلك مما لا يكاد يخفى على الصامت والناطق وعلى كل كهج فهج فكيف بالحاذق فلو إنني بجميع البحور وصفت لكنت على الساحل ،
مارام حصر معاليه أخو لسن إلا وأصبح بادي العي صميتا ،
لكنني أسال ربي الإعانة على هذا الأمر منه والإبالة وأن يكون لي ولا علي ، وعند كل مسلم مرضيا ،وأن يكون للثواب قانصا لوجهه عز وجل خالصا.
الرضاب المعسول في جود الرسول صلى الله عليه وسلم
رضاب تهش إليه النفوس ويلقى القلوب بلا آذن .. نداه ما نداه ، كرمه ما كرمه ، جوده ما جوده ، جود تود الدراري أنها قمم فيه وترجو الثريا أنها وادي كالكوكب الأزهر ، رضابه شهد وعرفه عنبر رياه من ورد وريقه كوثر. له الشمس خدن والنجوم ولائد له الدر لفظ والدراري قلائد له من براهين القرآن شواهد له الفضل ورد والمعالي موارد .
والذي أنزل الكتاب وأجرى السحاب وهزم الأحزاب وسبب الأسباب ما دب ودرج على التراب أندى كفاً ولا أسخا يداً ولا أجود نفساً من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فجوده الجود لا جود يقاس به ومن يقيس بنشر المسك حلتيتا
لوفاخرته الطباق السبع لانتكست وعاد كوكبها الدري مبكوتا
فعليه الله صلى وعليه الله سلم .
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس تطرب الأنفس من ذكر نداه طرب الإبل على لحن الحداء عطاياه أشباه السحاب تسوقها مواعيد صدق كالرياح اللواقح يؤثر المحتاج على نفسه ينوع في عطاءه يقترض الشئ فيرد أكثره أكثر منه يشتري الشئ فيعطي أكثر من ثمنه لا يستكثر شيئا أعطاه الله ولا يستقله سروره بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه من خالطه وصحبه و رأى هديه لا يملك نفسه من الندى والسماحة.
مبارك أينما كان أسرع بالخير من الريح تعم جميع ما تهب عليه من الأرض الطيبة وغير الطيبة فمعروفه يسري إلى كل طالب وفيه أنطوى شهد لذيذ المشارب قال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.
وكيف لا يكون كذلك وقد أنزل الله عليه بالأمر في الإنفاق والترغيب فيه آيات وآيات .
قد صاغه الرحمن من كرم فلو مسته راحة باخل أعداه
اليمن في يمناه حيث تصرفت أحواله ، واليسر في يسراه
أقام لأهل الجود سوقاً غلت بها مدائحهم وانحط سعر المنابح.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم .
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. الجود لفظ هو معناه وجسمه و [هيولاه ]
جبل الأنام على الخلاف ولا أرى رجلين يختلفان في علياه
يفيض بكل خير مستطاب كمثل الشهد أو حلو الرضاب أسر قلوب أصحابه و قصاده بجوده وسخائه فالدنيا بحذافيرها لا تساوي إدخال فرد واحد بالإسلام عنده علم أن الناس عبيد إحسان فكان يعطي ليتألف أناس على الإسلام عطايا عظمى فيصير من خيار المسلمين وحال أحدهم :
طنب خيامك للإقامة عنده ودع ارتحالك.
قال أنس رضي الله عنه : (إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب اليه من الدنيا وما عليها ). حال أحدهم :
والله لن أرد الأجاج فموردي عذب زلال .
لقد كان جوده عن كرم في طبعه وسماحة في نفسه مع ثقة في سعة خزائن ربه .
روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلى أعطاه ). جاءه رجل يسأله فأعطاه غنماً بين جبلين فوقف الرجل أمام صورة من كرم عظيم ملكت عليه لبه وذهبت بإعجابه فرجع إلى قومه يقول : يا قوم : أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة .
ونادى الناس بعضهم لبعض لفرط الجود حي على الفلاح.
أعطى صفوان مائة من الإبل ثم مائة ثم مائة . أعطى عطايا أخجلت دلح الديم إذ ملأت رحب الفضاء من النعم.
ادرك صلى الله عليه وسلم أن في الدنيا أقواماً يقادون إلى الحق من بطونهم لا من عقولهم فقادهم بما يحبون إلى ما يحب الله ولم يزل كذلك حتى خالط الإيمان بشاشة قلوبهم فوكلهم إلى الله.
وصفوان شاهد غير متهم يقول : والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.
فلي مهجة أشربت حبه وقلب أقر له بالولاء.
تبدل بغضه حبا وبعده قربا، استحال إنسانا بعد أن كان ثعبانا، وصار حبيبا بعد أن كان ذيبا، أصبح لا يرى في الدنيا غير محمد ودين محمد وخلق محمد صلى الله وسلم على نبينا محمد وحاله:
لألزمن لزوم الظل سنته عقدت عهدي على هذا وميثاقي .
إنها السياسة الشرعية الحكيمة ممن يعلم أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، فلو كان عنده عدد رمال الصحراء ذهباً لفرقه في سبيل دعوته ، لأنه مقيم دين وصانع رجال
يبني الرجال وغيره يبني القرى شتان بين قرى وبين رجال
ففي شرف لا سرف يفعل بالأموال يوم الندى ما تفعل الأبطال يوم الكفاح.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم.
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس جواد يرى أن الغنى الجود بالغنى وان ادخار الفانيات معاب وأن الغنى فقر إذا فاته الندى وكل سحاب لا يسح ضباب . إن رزق مالا فرقه يمينا وشمالا ، لا يمسكه في يده و لا يدخره لغده لو تحول جبل أحد من الحجارة إلى الذهب ثم صار ملكاً له ما سره ذلك حتى ينفقه في سبيل الله. تلك حقيقة سجلها اصحابه بعيدة عن التزيد والمبالغة.( فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة أمام أحد فقال يا أبا ذر قلت : لبيك يا رسول الله . قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهباً تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شئيا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى ثم قال : إن الأكثرين هم المقلون الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا من عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم).
فإن رمت أن تلقى نظيراً لجوده عجزت ورب الناس عن عد واحد.
يصلي العصر يوماً فلما سلم قام سريعاً ودخل على بعض نسائه ثم خرج إلى أصحابه ورأى ما فى وجوههم من عجب لسرعته فقال: ذكرت وأنا في الصلاة تبراً فكرهت أن يمسي عندنا فأمرت بقسمته.
مطبوع على الجود ...
الجود من اسمه وفعله وحرفه يأتلف وأحمد جوده ثابت لا ينصرف
راء كرمه تفخم ومنادى جوده لا يرخم
صوت لسانه نعم وصوت بنانه نعم
مثل عليا أضاءت للورى سبل العلياء في الليل الغداب .
ما قال لا مذ كان إلا قوله عند الشهادة لا إله سواه .
يقول جابر: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا). إن وجد جاد وإذا جاد أعاد ، وإن لم يجد وعد ولا يخلف الميعاد
وإذا تصرف فعله في جامد ما خاف بعد تصرف أن يجمدا
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. له يد كمثال السحب من كرم وقاصد البحر لا يرجو الهراميتا
هجم الأعراب عليه يسالونه بأسلوب فوضوي في عودته من حنين حتى ألجأوه إلى شجرة خطفت رداءه ، فأعلن الجود وما أسر وابتدأ و أخبر وأظهر وأضمر وحل المعمى ووضح الاسم والمسمى وعدل وقوم وصنف الأسماء والأفعال وبوب الظرف والحال وبنى وأعرب ووصل ولم يقطع وثنى وجمع وقال: (ردوا علي رداءي فو الذي نفس محمد بيده لو كان عندي عدد هذه العضاب نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوبا).
تلك الصفات لغيره لم تذكر وهي الشفاء لسامع ولمبصر
لما أعتلى شرفاً توالى سيفه والمزن ما لم يرتفع لم يمطر
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. يحدث عن جوده المشرقان وتروي جلالته المغربان أزاهيره مؤمنات العبير وأطياره قانتات الزجل. روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فقالت يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي لأكسوكها) يا لها من مؤمنة تريد ان تنعم برؤية من هو احب عليها من نفسها وهو يلبس هذه البردة التي صبرت على نفسها أياماً وأياماً وحالها:
ذاك الحبيب له حبي أقر به لحمي وعظمي وأعصابي وأعراقي .
وكان لها ما أرادت ، أخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً لها وخرج إلينا وإنها لإزاره حال سهل يلوح لي في الحال من وجهه بشر ميادين الندى والسماح
تالله ما شمت له بارقا إلا ولاح الجود من حيث لاح .
جسها ومسها رجل من القوم ثم قال يا رسول الله أكسونيها ما أحسنها فقال صلى الله عليه وسلم : (نعم)
ولا يقول نعم يوما فيتبعها منعا ولو ذهبت بالمال والولد
جلس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله في ذلك المجلس ثم رجع فطواها وأرسل بها إليه .
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
اغتاظ الصحابة من فعل هذا الرجل وزجروه وأنبوه وقالوا ما احسنت سألته إياها وقد عرفت أنه لايرد سائله ، فبين الرجل أنه محب يطلبها لا ليلبسها ولكن لينعم بها في قبره يوم يموت وحاله:
ياصاح مهلا أقل اللوم يا صاح
ولاتكونن لي بالائم اللاحى
أولم ما شئت لا وقع لتقطيع الإيدي عند رؤية يوسف، وا لله ما سألتها لألبسها وإنما لتكون كفني يوم أموت .
يهفو لها قلب ويصغي مسمع والله يعلم ما حوته الأضلع ،
قال سهل فكانت كفنه يوم مات.
فإلى جوار الأكرمين يحفهم ويحفه الرضوان والإستبرق.
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس... ما رآه الحق يوماً راكعاً لهوى نفسه ولذات [سلاته]
لو أن بعضا من سماحة كفه بيمين قارون لأصبح معدما
تهتز من طرب عطاياه فلو غن الجماد لكاد أن يترنما
شهدت له آي الكتاب بأنه منذ الولادة طاهراً بل قبلما ..
له أساليب متنوعة في كرمه فقد يلجأ إلى شراء الحاجة من صاحبها ثم يهديها له.
أستأنف النظرات في أخلاقه لأرى غرائب كلما أستأنف
وأرى لطائف بعدهن لطائف فله التليد من الندى والطارف.
ثبت في البخاري من حديث جابر قال : (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر على جمل قد أعيا إنما هو في آخر القوم فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقال من هذا ؟ قلت جابر بن عبد الله . قال: مالك؟ قلت : إني على جمل أعيا بي يا رسول الله. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجمل بقضيب فسار سيراً ليس يسير مثله فكان في أول القوم . فقال صلى الله عليه وسلم بعنيه . قلت هو لك يا رسول الله. قال: بل بعنيه بأوقية أو قال بأربعة دنانير. قال جابر: بعتكه يا رسول الله على أن لي ظهره إلى المدينة قال صلى الله عليه وسلم : لك ذلك قال فلما قدمنا المدينة قال صلى الله عليه وسلم : يا بلال اقض جابراً وزده يا بلال إقض جابراً وزده فقضاه وزاده قيراطاً. فقال جابر: والله الذي لا إله إلا هو لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان ذلك القيراط يفارق جراب جابر رضي الله عنه. قال جابر: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فدخلت عليه وعقلت الجمل عند الباب ثم أتيته وقلت هذا جملك يا رسول الله فخذه فخرج صلى الله عليه وسلم يطيف بالجمل ثم قال: الثمن والجمل لك يا جابر)
يأتي بكل بديعة في نوعها لم تخترع وغريبة لم تعهد
ما شئت من جود أرق من الصبا وبشاشة أزهى من الزهر الندي.
وصدق الله (وإنك لعلى خلق عظيم). يقول ابن عمر رضي الله عنهما : (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر لأبيه فكان يغلبني وأتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : بعنيه قال هو لك يا رسول الله وحاله وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم : بعنيه يا عمر. فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لك يا ابن عمر تصنع به ما شئت)
لكأنك بحاديه يحدو ودخلت من إحسانه في جنة ياليت قومي يعلمون بأنني
يا مكثروا الدعوة أخفضوا أصواتكم ما كل رافع صوته بمؤذن.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. عوائده ألا يخيب سائلاً فيا حبذا في الناس هذي العوائد. جواد عشق الفضل ، وعادى خلق البخل وأحيا مهج البذل، فما حاتم في الجود ولا معن له مثل. غيث يجود بماله وبجاهه ، والجود كل الجود بذل الجاه يعد بالأجر فيما أنزل عليه من الذكر (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) ويندب إلى ذلك اشفعوا تؤجروا ، ويعد على ذلك بالأجر الجزيل فيقول: (ومن مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام) وفي الصحيح (و من مشى في حاجة أخيه كان خير له من اعتكاف عشر سنين ومن اعتكف يوماً إبتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين). ويثبت ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح (أن مغيثاً عبد أسود كان له زوجة أمة هي بريرة قد عتقت ففسخت نكاحها من مغيث وذلك حق لها لأن زواجها وهي أمة إنما هو برغبة سيدها، كان مغيث يحبها حباً عظيماً، ويطوف خلفها بسكك المدينة يبكي تسيل دموعه على لحيته وبلاؤه أنه يحب من لا يحبه والقلوب بيد الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس : يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغض بريرة مغيثا. يأتي مغيث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاله أنت الندى وابن الندى وأبو الندى وحليف الندى ما للندى منه مذهب جمع القلوب مكسر وجموع فضلك سالمة اشفع لي يا رسول الله فيذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بريرة ويقول يا بريرة زوجك وأبو ولدك لو راجعتيه فقالت : وقد استقر في نفسها التفريق بين أمره وبين شفاعته يا رسول الله أتأمرني فقال صلى الله عليه وسلم : لا إنما أنا شافع. فنظرت وقد قام فى نفسها من بغض مغيث وعدم قدرتها على معايشته ما جعلها أن ترد من يعظم رد شفاعته فتقول : لا حاجة لي فيه يا رسول الله)
والحال: لم لا يذوب القلب مما به تبلى بلاء و لكن تبلى فيه ما لا يذوب.
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاد بما لديه وإن رد فلا يضيره
فالغيث ليس يبالي حيث ما انسكبت منه الغمائم تربا كان أو حجرا .
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ..
دع عنك أخطار الكرام فإنه هو زبدة يكفيكها ونموذج
هو من إذا حدثت عنه بأنه بحر فلا اخشى ولا أتحرج
طبع الندى خلق له فإن ادعى فيه سواه فأحول يتغنج.
يظهر جوده وكرمه على أمته في الحرص على نجاتهم من نار جهنم فيضرع إلى الله في دنياه وهو يردد قول الله (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) ثم يرفع يديه ويقول: (اللهم أمتي أمتي ثم يبكي فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ) هذا في دنياه أما في أخراه فكل يوم القيامة يقول: نفسي نفسي لا أملك إلا نفسي وهو صلى الله عليه وسلم يقول: أمتي أمتي أمتي أمتي. (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ... مصباح أهل الجود والصبح الذي من جاب ليل البخل لو لم يسفر
الخاطب المعروف قبل فطامه والطالب العلياء غير مقتر.
يجود بوقته وجاههه وراحته ولذته وإجمام نفسه تعباً وكداً في مصلحة أمته من ذكر وأنثى وحر وأمة
يسمو إلى القمم الرفيعة حادياً بالركب في أفق العلاء الفرقد .
في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه (إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت)
متيم في الندى لو قال سائله هب لي جميعك أرى عينيك لم ينم.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأشجع الناس
الخير يرجى من مخايل سحبه والموت يخشى من صواعق رعده
فانظر إليه ترى ليثاً وشمس علا وبحر جود براه الله في رجل
يجود في سبيل الله بيده ولسانه وقلبه طيلة عمره وعدد أنفاسه وهو أقرب الناس إلى عدوه في كل معركة وأشدهم بأساً فالأبطال الشجعان تلوذ به وتتقي به .
علم ترى في كل جارحة به يجري خضم ندى ويسطو فيلق.
في إيمان وثبات وبطولة فذة وقوة قلبية عميقة وجود لا نظير له يقسم بالله ربه لولا المشقة على أصحابه ما تخلف عن سرية .
ماضي العزيم لو استناب عزيمة عن حد كل مهند أغناه.
في صحيح مسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل)
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
فعلى ولاة أمور المسلمين امتثالا لأمر الله وأسوة بسيد البشرية وخير البرية إعداد العدة ونحن نعيش عصرا تكالبت فيه الأعداء من كل حدب وصوب على الأمة الإسلامية بدعوى نشر الحرية فما نشروا إلا الأخلاق الدنية وكل بلية وكم تدعي عفة والوجود بأصناف خستها مفعم فما هي فى الحرية إلا كمسيلمة الكذاب في النبوة بصق في بئر فنضب ماؤه وبصق في أخرى عذب فصارت ملحا أجاجا، وسقى بفضلة وضوئه نخلا فصار يابسا، وبرك على صبي ومسح على رأسه فصار أقرع، وحنك صبيا آخر فصار ألثغ، ودعا لرجل في عينيه وجع فصار أعمى. . تلك هي حريتهم ما نزلت بقوم إلا ساء صباحهم وعلا نواحهم وأبيدت خضراؤهم واستعبد أحرارهم واستبيحت حرماتهم والعراق وفلسطين وأفغان وغيرها.. شاهد غير متهم فآثامها لم تسعها اللغات ولم يحوي تصويرها ملهم أنا لم اقل كل أوزاراها تنزه قولي وعف الفم وكل جبان شجاع الفؤاد عليك إذا أنت مستسلم.
إن على الأمة ولاة ورعية أن تعمل في ضوء قول الله (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وأول مراتب الإعداد وأصله أن نجاهد أنفسنا ونروضها على الاستقامة على الفضيلة ونطهرها من مطامعها الدنية وأغراضها السخيفة وشهواتها البهيمية و نسخر جميع وسائل التوجيه لهذه القضية حتى إذا لقينا عدونا بنفوس مطمئنة وقلوب متحدة على غاية واحدة .
لن ننصر على عدونا الخارج حتى ننتصر على أنفسنا أولا . فابدأ بنفسك وبيتك أولا فمن سنة القتال (قاتلوا الذين يلونكم)
كل نقيصة فينا هي مدخل لعدونا إن أعداءنا ما سامونا الذل والهوان إلا من ثغرة أخلاقنا الضعيفة فاستعانوا بنا علينا التمسوا خائناً لدينه ووطنه فوجدوا العشرات التمسوا من يدلهم على عوراتنا وأسرارنا فوجدوا المئات التمسوا ناعقاً فى الفرقة بيننا فوجدوا الآلاف . عدونا أنفسنا أولا فلنتداعى على إصلاحها وتربيتها على الصبر إلا على الضيم والإقدام إلا على الشر والإيثار إلا بالشرف والتسامح إلا بالفرارة والتؤدة إلا في الخير المحض ، وبعدها أطلق يدي وفك الحبل من عنقي وافتح لي الباب وانظر بعد كيف ترى .
لئن لم تفعلوا يا قوم هذا سيجلو أول المكروه ثاني وقد يسوف بالإسقاء ذو ظمأ و لا يسوف بالإسقاء غصان.
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ..
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
جاد بطلاقة وجهه وابتسامته الهادئة فما أحد أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نقل عنه أصحابه و(تبسمك في وجه أخيك صدقة) ذاك مقاله . فلو مج في الماء من بسمته لأصبح مثل الفرات الزعاب.
جاد صلى الله عليه وسلم بنظرته الهادفة التي تسري إلى النفوس فتفعل فعلها فيها ، يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفه ليصير من خلص أصحابه وتحت تأثير تلك النظرة خيل لداهية من دهاة الإسلام وهو عمرو بن العاص أنه خير من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فبين أنهم خير منه فعلم أن ذلك أسلوب معاملة يسلكه مع من يجلس إليه ليدعوهم من خلاله، فود أن لم يكن سأله.
أكرم به من مرسل لا يحسب جليسه أن سواه أقرب.
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ..
بدأ الندى منه فأفعال السخاء عن غير مصدر فعله لم تصدر
قل للذي في الجود يطلب شأوه أربيت في الغلواء ويحك اقصدِ
ينفق بجود وسخاء ، ويؤثر بطعامه الفقراء يحض على ضيافة أهل الصفة ويقول لصحبه من عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة فينطلق خير أصحابه أبو بكر رضي الله عنه بثلاثة ، وينطلق صلى الله عليه وسلم بعشرة. همه تسكين جوعهم وإدخال السرور عليهم ولو كلفه ذلك طعام أهله وحاله لا خير في الإنسان ما لم يؤثر، ومقاله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.
تفئ إليه الناس مثنى ومربعا وأخلاقه تحكي الرحيق المشعشعة.
فما نطق العورى ولا الفحشا أجمعا
في السلسلة الصحيحة عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزل بنا ضيف بدوي فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام بيوته وجعل يسأله عن الناس كيف فرحهم بالإسلام وكيف حدبهم على الصلاة فما زال يخبره من ذلك بالذي يسره حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نضرا وكان إذا سر النبي صلى الله عليه وسلم استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر.
كأن الثريا علقت في جبينه وفي جيده الشعرى وفي وجهه القمر
عليه جلال الحق لو أن وجهه أضاء بليل هلل البدو والحضر
قال ثوبان فلما انتصف النهار وحان وقت الطعام دعاني مستخفي لا يآلوا أن آتي عائشة فأخبرها أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً.
والغيث أهنأه الذي يهمي وليس له رعود.
فاتاها فقالت والذي بعثه بالهدى ودين الحق ما أصبح في يدي شئ يأكله ذو كبد.
قال ثوبان فردني إلى نسائه فكلهن يعتذرن بما اعتذرت به عائشة فرأيت لون رسول الله صلى الله عليه وسلم خسف
لا تسل عنه ولا عن ألمه فلقد جل الأسى عن كلمه
ضاق بالصمت وهام الصمت به
فقال البدوي وكان ذكياً إن اهل البادية معانون على زماننا لسنا بأهل الحاضر إنما يكفي القبضة من التمر يشرب عليها اللبن أو الماء فذلك الخصب.
حاله:
لكسرة من جريش الخبز تشبعني
ونهلة من زلال الماء ترويني
وقطعة من غليظ القطن تسترني
حياً وإن مت تكفيني تكفيني
قال ثوبان فمرت عند ذلك عنز لنا قد احتلبت ليس بها قطرة فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت إليه تحبحب فأخذ برجلها بسم الله ثم أعتقلها بسم الله ثم مسح سرتها بسم الله فحفلت باللبن آية لرسول الله . فدعا بمحلب فأتيته به فحلبه بسم الله فملأه ثم دفعه إلى الضيف فشرب منه شربة ضخمة ثم أراد أن يضعه فقال صلى الله عليه وسلم عل وكلما أراد أن يضعه قال له صلى الله عليه وسلم عل حتى امتلأ وشرب ما شاء الله ، ثم حلب بسم الله وقال أبلغ عائشة هذا فشربت منه ما بدا لها ثم رجعت إليه فحلب فيه بسم الله ثم أرسلني إلى نسائه فشربن ثم رددته إليه فحلب بسم الله ثم قال ادفعه إلى الضيف أخرى فدفعته إليه فقال بسم الله وشرب منه ما شاء الله وحاله :
فأعطى ثم أعطى ثم عدنا فأعطى ثم عدت له فعاد
مراراً ما أعود إليه إلا تبسم ضاحكا وثنى وعاد.
قال ثوبان ثم شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاني فلم آلو أن أضع شفتي على موضع شفته صلى الله عليه وسلم فشربت شراباً أحلى من العسل وأطيب من المسك ، مضى البدوي وحاله:
فلي لسان بحب المصطفى لهج وحبه مع لحمي بالدم امتزجا
به مكارم أخلاق الرجال غدت مكملات وكانت قبله خدجا
فعليه الله صلى وعليه الله سلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناه لقبض لم تطعه أنامله
له حاجب عن كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب.
أنفق في سبيل الله كل ما وقع تحت يده و زهد ما في يدي غيره وقدم الكنوز خدمة لدينه و نفعاً لأمته وذخراً ليوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة كل فيه تحت ظل صدقته فاسمع إلى ما ترك وراءه في الصحيح من حديث عمرو بن حارث رضي الله عنه ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة في سبيل الله ) لكنه والله قد ترك لنا في كل رابية وكل ثنية أثراً فلو نطق الجماد لأخبر صلى عليه الله من في خلق لم يدر ما معناه غير الخالق.
جود بالمعنى الواسع للجود لو كان شمس لم يسعه مشرق ولضاقت عن كتم الشعاع المغرب.
جاد بعلمه فما تركنا وطائر يقلب جناحيه إلا وذكر لنا منه علما
أحيا رياض العلم بعد مماتها وكذا بعود الغيث تحيى الأربع.
و دعى إلى سبيل ربه حتى في مرض موته وهو يغرغر بنفسه الصلاة الصلاة حتى ما يفيض بها لسانه
فطال السماك بها صاعدا وحاز بها قمة الفرقد.
جاد بصبره وكظم غيظه على من أساء له فاجتمعت القلوب على محبته وهل يلقاها ويحضى بها إلا عظيم الحظ أو من صبر.
جاد بنفسه وبكل ما آتاه الله وأرخص ذلك في سبيل الله فحال كل تابع له :
وداد في مشيج دمي ولحمي وفي عظمي وفي ضاحي أديمي
شيم أرق من النسيم وأروق فأنا لها الرق الذي لا يعتق
يممتها فوجدتها بحراً زاخرا ًفغنيت عن وشل وورد هماد
كل ما ذكرته قلامة من أصبوع ودقيقة من أسبوع وقطرة من ينبوع في رياض وحياض جود المتبوع فمن يطيق حمل بستان في ردم أو روضة في حجر أو يحصي موج البحر
بحر إذا ورد العفاء وإن بدا فالبدر ماضي عشره والأربع
أثنى عليه ألهنا فليعترف بقصوره قول البليغ المصقع
صلى عليه الإله ما صدحت على فنن مطوقة الحمام السجع.
فارفع وضم وخذ بسنة أحمد في الحال معتصماً بحبل الباري وارحل مراحله واعمل كما عمل وانزل منازله أيان ما نزل.
معشر الأخوة: بهذا الخلق سجلت لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفحات مضيئة مجليات بلجين و ذهب مثقوبة آذانها وفي الثقب مثل شنوف الخرد البيض العرب فمع النصب والتعب حذفوا من تصاريف كلامهم حرف الجر وسين الطلب
سلف إذا مر الزمان بذكرهم وقف الزمان لهم مجلا مكبرا.
أبو بكر يجعل من نفسه درعاً لرسول الله وينفق ماله كله لله ويبقي لأهله الله ورسوله وقام مقاماً يشهد الحق أنه مقام على التاريخ بالتبر يطبع ، وسار في إثره الفاروق متصلاً بجوده كاتصال المتن بالسند فأنفق نصف ماله غير مرة ولو احتيج إلى البقية لجاد بلا تردد، ومد عثمان ذو النورين أشرعة والبحر يقذف بالأمواج والزبد فما زال ينفق حتى نال ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم،كذا علي الذي ضحى بمهجته فدا النبي المفدى ليلة الرصد يعرض نفسه للهلاك بنومه في فراش النبي صلى الله عليه وسلم عشية الهجرة فكان بمنزلة هارون من موسى ، وابن عوف يتصدق بمائتي أوقية من ذهب ويوصي لكل بدري بأربعمائة دينار ولأمهات المؤمنين بالعطاء الجزيل ألا سقى الله ابن عوف من السلسبيل، ويهاجر صهيب ويترك ماله لأهل مكة يشري نفسه ابتغاء مرضات الله (ربح البيع أبا يحيى)، وأبو طلحة يجود بأحب ماله بيرحاء ثم بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى السهام مردداً (نحري دون نحرك) .. (لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة وذاك مال رابح) ، سعد بن أبي وقاص يجود بنفسه وماله لله ثم يأمر أن يكفن في جبة بالية لقي بها المشركين يوم بدر ليلقى بها الله ، ويخرج مصعب من النعيم والراحة إلى بيداء الشظف والفاقة معلماً للناس القرآن داعياً للإسلام في المدينة حتى لقي الله وليس معه ما يكفن فيه ، ويجود البراء برمي نفسه بين الأعداء في حديقة الموت فيفتح الله للمسلمين بسببه ، ويجود أبو الدرداء بالإعراض عن التجارة لتلقي الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويجود خالد عن طيب نفس بالتنازل عن القيادة طاعة لأمير المؤمنين فكان سيفاً سله الله على المشركين ، ويجود أبو عبيدة بالتنازل عن إمرة الجيش لعمرو بن العاص جمعاً لكلمة المسلمين (في كل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة) ، ويجود الحسن سيد شباب أهل الجنة في التنازل عن الخلافة درءاً للفتنة وجمعاً للكلمة وإصلاحاً بين فئتين من المسلمين ، وتجود عائشة بمائة ألف أتتها في يوم فما أمست حتى فرقتها في الأرامل واليتامى والمساكين ، وتجود أم سلمة بشمل الأسرة وفراق الزوج والولد في سبيل الهجرة إلى الله ورسوله ، وتجود ذات النطاقين بما تملكه فلا تدخر شيئاً لغدها ، وفئة لم يجدوا ما يجودون فجادوا بالدمع (تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون) ، ويجود جميع المهاجرين بديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله ، والأنصار يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .
يهدو سراهم ويشدو في مواكبهم قرآنهم وحديث المصطفى العربي.
تنفست بهم الأيام وانتعشت بروحهم رئة الدنيا من الشلل
كانوا وكنا فلسنا مثلهم أبدا أن يستوي الذهب الابريز بالهلل
ومع ذا إني لأقرأ جودهم فأخالني ألقى الحباب يدا وأعتنق البراء
والأمة أمة مرحومة لا يزال فيها الخير إلى قيام الساعة بهذا الخلق عاش الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله يرشد الأعمى ويخزي من تعامى ، مجاهداً في سبيل الله مدافعاً عن دينه متصدياً للطوائف الضالة من أعداء الصحابة وآل البيت وأمهات المؤمنين
فعلى الضلال يموج موج الأبحر
يغشى العدا كالهول كالليث الجري.
هددته الطوائف الضالة كتابة و مهاتفة فلم يأبه واشتد في كشف خباياهم ولما قال إخوانه إحذرهم قال نفسي وجسمي ومالي وعرضي جعلتها فدا لديني وابتغاء مرضات ربي (إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت) حاله:
مسلم لله وجهي ويدي ولساني وغدوي ورواحي
واستمر يجود بنفسه الله فيما يحسب وبينما هو يلقي محاضرته في ندوة العلماء انفجرت قنبلة عند منصته فذهبت بثلث جسده بعينه اليسرى ورجله وأذنه