كفر الدهايمة دوت كوم

أهلاً وسهلاً ، ها قد جاءتنا الفرصة لنعبر عن نفسنا
لا تتردد وسجل وشارك .
شباب كفر الغاب

كفر الدهايمة دوت كوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كفر الدهايمة دوت كوم

الرابط الجديد للمنتدى http://www.kghab.com/vb/index.php
خلاص كله على المنتدى الجديد http://www.kghab.com/vb/index.php

مهم للغاية

لرابط الجديد للمنتدى www.kghab.com

2 مشترك

    إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق (على القرني)

    avatar
    أبو سهل
    جَدَعٌ
    جَدَعٌ


    الإقامة : بورسعيد
    عدد المساهمات : 15
    نقاط : 53663
    تاريخ التسجيل : 12/05/2010

    إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق (على القرني) Empty إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق (على القرني)

    مُساهمة  أبو سهل الخميس مايو 13, 2010 9:14 am

    إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق

    الحمد لله الذي قد أنزلا كتابه وللرسول أرسلا ..
    اللهم لك الحمد حمداً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك ..
    ولك الحمد زنة عرشك وعدد خلقك ورضا نفسك ومداد كلماتك ..
    لا تشكر نعمتك إلا بنعمتك .. ولا تنال كرامتك إلا برحمتك ..

    أنت أهل الثناء والمجد ** فامنن بجميل من الثناء المواتي
    يا محب الثناء والمدح إني ** من حيائي خواطري في شتاتي
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..
    حمدنا وثنائنا ليس إلا **هبة منك يا عظيم الهبات
    لو نظمنا قلائد من جمان ** ومعان خلابة بالمئات
    لو برينا الأشجار أقلام شكر ** بمداد من دجلة والفرات
    لو نقشنا ثنائنا من دمانا ** أو بذلنا أرواحنا الغاليات
    أو وصلنا نهارنا بدجانا ** في صلاة وألسن ذاكرات
    أو قطعنا مفاوز من لهيب ** ومشينا بأرجل حافيات
    أو بكينا دما وفاضت عيون ** بلهيب المدامع الحارقات
    ما أبنا عن همسة من معاني ** في حنايا نفوسنا ماكينات
    أي شيء أبقى وأنقى وأرقى ** من حروف بمدحكم مترعات
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    فالق الحب والنوى جل شائنا .. لم يزل مرغما أنوف الطغاة .. الولي المتين ما خاب ظن لنفوس في فضله طامعات .. الحمد لك لا ند لك .. والملك لك من عالم الذر الخفي إلى الفلك .. ما عام أو ما طار فيه أو سلك .. ما كان من إنس وجن أو ملك .. إلا وقد شهدوا بأن الملك لك.. الحمد لله على توفيقه ومنه وفضله وجوده .. وصلوات الله والسلام ما ناح طير الأيك والحمام .. على النبي المصطفى البشير الهاشمي المجتبى النذير وآله .. ما انبلج الصباح وصحبه ما هبت الرياح .. بذكر الله ترتاح القلوب .. ودنيانا بذكراه تطيب .. من شاء في ظل السعادة هجعته .. فهنا تشاد صروحها وتقام .. أورام نسيان الهموم فهاهنا .. تنسى الهموم وتنسخ الألأم .. سبحان من لا هدي إلا هديه .. نفنى ويبقى الواحد العلام ..
    أي فلذات الأكباد وثمرات الفؤاد .. فتيان الحمى وجنود الهدى .. معاقد الأمل ورجال العمل .. قادة السفينة في موج كالجبال .. وليل خافت الذبال .. حداة القافلة في خضم العواصف الهوج والملتويات العوج ..
    نظر الله هذه الوجوه التي أحسبها في الخير قد رقت أندائها .. وتجاوبت أصدائها .. وغردت أطيارها .. وتنفست أزهارها .. وفاح أريج أصائلها وأسحارها .. فالسعد والإيمان في بسماتها .. والورد والريحان من نسماتها .. في هذه الليلة الغراء .. التي لا أرى فيها إلا المغوار وأب المغوار .. والرجال وأبناء الرجال وأحفاد الرجال ..
    أحييكم بتحية الإسلام تحية ظامىء لريكم ورياكم .. ومتطلع لسهيلكم وثرياكم .. تحية الأبوة للبنوة .. والشيخوخة للفتوة .. والقرابة للأخوة .. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. تصافح مواطن الإحساس من نفوسكم .. وتخالط معاقد الإيمان من قلوبكم .. وتحرك أوتار الحمية في صدوركم .. سائلين لكم التأييد من ذي العرش المجيد .. وزيادة في النعيم .. وسيادة تدفع إلى حرم العز من ثنية التنعيم ..
    أهلا بني طه ونون والضحى .. وبني تبارك والكتاب المحكم .. وبني الأباطح والمشاعر والصفا .. والركن والبيت العتيق وزمزم ..
    حياكم الله وأحياكم للأمة .. ترفعون منارها .. وتورون نارها .. وتقومون منئآدها .. وتصلحون فسادها .. وتنفقون كسادها .. وتحسنون تهيئتها وإعدادها .. فتملكون قيادها .. وتستنشقون رندها وعرارها وشيحها وقيصومها وريحانها ..
    جمع الهداية قد شرفت منزلا ** قدر المنازل عن سناها نازل
    كم سرت فيها نحو ربعك منشدا ** لك يا منازل في القلوب منازل
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    معشر الإخوة ...... غير خاف على الغبي والنبيه .. والحليم والسفيه .. أننا نعيش مرحلة حرجة لم يسبق لها مثال .. الأمة كثير فيما يعد العادون لكنهم مع هذا العدد مبددون ..
    مدوا يدا لغريب بات يقطعها ** وكان يلثمها لو أنه لطما
    أسراهم في سجون البغي ما عرفوا ** لون الحياة وقتلاهم بلا قودي
    بنوا اللقيطة داسوا حرمة الصحف ** واستأسد الغي حين استنوق الرشدوا
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    يهان كتاب الله في حملة إذلال منظمة .. فلا تنشق مرارة ولا تثور حرارة .. فتتخذ مواقف تدل على الثأر للكرامة ..
    ماذا سيبقى من كرامة ديننا ** لما تداس وتستباح مصاحف
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    ردود أفعال هلاهيل ..!! لا تتناسب مع فداحة المصيبة ومقدار الإهانة ..!! فلم يجد أبرهة حتى من يقول : أنا رب الأسرى وللمصحف رب يحميه .. فوا ذلاه ..!!!
    في زمان الصقور صرنا حماما ** كيف يحيا مع الصقور الحماما؟
    وقع السقف يا صناديد قومي ** أوى صاحون أنتم أم نياما
    لا يهين الجموع إلا رضاها ** رضي الناس بالهوان فهانوا
    ولا عجب إذا أرخصت نفسك عند ** قوم فلا تغضب عليهم إن أساءوا
    لو كنت من هاشم لم تستبح صحفي ** بنوا اللقيطة من قرد ابن نصرانيا
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    أمة تداعى عليها الأعداء .. فإذا هي في عمومها غثاء لا منفعة ولا غناء .. في اضطراب واحتراب .. السرائر منها بليت .. والصحائف نشرت .. والدفائن نبشت ..
    فهي والأحداث تستهدفها ** تعشق اللهو وتعشق الطربَ
    تساق إلى الذبح خاضعة ** وترفع للذابحين الذنبَ
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    تتلمس الهداية من مطالع الظلال .. وتطلب الشفاء بأسباب المرض العضال .. تبحث عن الدليل وهو معها وحي من ربها .. يراد لها ومنها أن تفزع إلى عدوها .. تتعادى لإرضائه .. !! وتتمادى بإغوائه ..!! تتنازل عن عقلها لعقله وإن كان مأفونا ..!! وعن فكرها لفكره وإن كان مجنونا ..!! يراد لها أن تلقح فضائلها برذائله ..!! وتهزأ بماضيها افتتانا بحاضره ..!! وتسخر من رجالها إعجابا برجاله ..!! وتنسى تاريخها لتحفظ تاريخه ..!! وتحتقر لسانها احتراما للسانه ..!! وتحت ضغط ما يراد لها تضاءلت فيها السوابق .. وتصاهلت عرج الحمير .. وترجل الجنس اللطيف .. مخلفا فينا شبابا للأنوثة ينتمي .. ونطق الرويبضة والتافه .. وأشار بالرأي البليد للذكا .. وتؤم أشباه الرجال نسائها .. خابت ذكور إذ تأمهم نساء .. ووئدت الأخلاق بأيدي نساء بلحى .. من كل ذي وجه لو الناصفاته تندى لكان من الفضيحة يقطر ..
    بئس المناخ لقد حسبت هوائه ** دنسا وأن بحاره لا تطهر
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    كل ذلك عبر شبكات وقنوات وصحف ومجلات .. نظَّرَ لها المفسدون .. واستحوذ عليها المستهترون .. لو اطلعت عليها لوليت منها فرارا ولمئت منها رعبا .. ولازالوا يخصفون عليها زخرف القول غرورا .. واتخذوا معها القرآن مهجورا .. تنفث السموم وتحمل النفاق والتدجيل .. فإذا الحق باطل والأباطيل حقوق والإفك أثوم قيلا .. شعاراها من ذا يعيب هز البطون .. وذاك من روائع الفنون .. الدين أن تبدوا ظريفا مرنا .. وإن عبدت نعجة أو وثنا ..
    ما الدين بالعفاف والصلاة ** الدين خذ فيه خفة وهات
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    فيها أعذب مطرب هو الحمار .. وشر مزعج هو الهزار .. وأشجع الشجعان ذاك الأرنب .. والليث رمز الجبن لا تعجب .. دنيا الإعلام تقليب الحقائق .. وتظهر العلقم حلو الرائق .. فأفرزت لنا جيلا غالبه مظلم الروح .. بليد الذهن .. ضعيف الإرادة .. يترنح كالذي يتخبطه الشيطان من المس .. سقط متاع لا يباع ولا يبتاع .. دوٍ كحال الطبل .. ما في جوفه شيء .. ولكن للمسامع يشغل .. هبل إذا اجتمعوا صاحوا .. كأنهم ثعالب ظبحت بين النواويس .. رؤاهم أهدافهم ما عرضت إلا رأيت عجبا .. ترى ناسا يتمنون العمى .. وآخرين يحمدون الصمم ..!!
    معشر الأخوة ..... إن بلائنا ليس في هجمة عدونا فحسب .. بل إن من بلائنا فئة من بني جلدتنا .. هي بمثابة بوق عدونا ..!! لا دور لها سوى ترديد كلامه لكن بصوت أعلى ..!! آله صماء يديروها على ما شاء ..!! ويريدها على ما شاء ..!! يحركها للفتنة فتتحرك .. لتغطي الشمس بغربال .. وتطاول العماليق بالتنبال ..!! يدعوها لتفريق الصفوف فتستجيب وتجيد التخريب ..!! يريدها حمى تنهك فتكون طاعون يُهلك ..!! يريدها لسانا فتكون لساناً وعيناً وأذناً ويداً ورجلاً ومقراضاً للقطع وفأساً للقلع ومعولاً للصدع ..!! ما يشاء العدو إخماد حركة إلا كانت على يديها الهلكة ..!! قد تهيأت فيها أدوات الفتنة .. فجنسها وفردها غبي العين عن طلب المعالي .. وفي السوءات شيطان مريد ..!! بينه وبين أمته إدغام بغير غنة ..!! كما تدغم اللام في اللام فلا يظهر إلا المتحرك ..!! طويل اليد اليسرى وأما يمينه فليس لها في المكرمات بنان ..!! يهدم الأمة ويدعي إنهاضها ..!!
    يا من حملت الفأس تهدمها على أنقاضها ** أقعد فما أنت الذي يسعى إلى إنهاضها
    كـم قلت أمراض البــلاد ** وأنــت مــن أمراضــها
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    وتحت وطأة تداعي الأعداء .. خرج مدافعون عن الإسلام بمنطق الضعفاء العجزة .. يتمسكون بالقشة لينفوا عنهم التهمة .. فلا الإسلام نصروا ..!! ولا لأعدائه كسروا ..!! فضروا وما نفعوا ..!! بل سوغوا وميعوا وخلطوا البعر بالدر الثمين ..!! فلم يميز بين غث وسمين ..!! فجاءوا بالكفن في ثياب العرس ..!! وعرضوا النوائح في مواكب الفرح ..!! فصارت الأمة في عمومها تمثالا .. لا يؤوي بل يغري .. وسراب يخدعوا ولا يروي .. (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) .. (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) .. إن أمة تتزحزح عن دينها مقدار شعرة .. تنأى عن مراق الفلاح والعزة سبعين ذراعا ..!! ومع هذا كله فهي أمة مرحومة .. لا تزال فيها طائفة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة .. فما زال في الكرخ زند يوري بالمرخ نلمح شعلته .. وما زلنا نرى من السنان صفحته ..
    لا تقل ذلت فما يصدق ** أن يستذل الفار ليث الأجمي
    مـا غفـا طرفـي ** ولا قلبي سها
    لم أزل ألمح في روضتنا ** وجنة الورد وأهداب المها
    لم أزل أحمل في ذاكرتي ** صورة النجم الذي فوق السها
    والناس مثل الأرض منها بقعة ** تلقي بها خبثا وأخرى مسجد
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..
    لهذا كله كانت هذه الكلمات بعنوان :
    (( إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق ))
    خفق القلب له لما ومض ** بارق شب الجوى لما برق
    خلته من بين أسداف الدجى ** أملا من بعد يأس قد برق
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..
    إيماض يقول : إن المعركة مع أعداء الله ليست معركة خاطفة سريعة ..!! لكنها شاقة طويلة مستمرة ..!! (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) .. نحتاج معها إلى طول نفس .. وشدة صبر .. وعمق إيمان .. ورسوخ يقين .. وبذل جهد .. وتظافر جهود .. لاستنقاذ الغثاء من دوامة السيل .. فالسيل فيه غرق وويل .. ورسولنا صلى الله عليه وسلم في ذلك أسوة .. فإن لم نجعل الإنقاذ نهجا .. فسوف تضيق بالدمع المآقي ..!!
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : لئن تخلينا اليوم عن كل وسائل الانتصار المادية .. فقد بقي في أيدينا سلاح من أنضى الأسلحة .. لا يقوم له شيء ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) .. والله ما هي إلا نفحة من نفحاته .. تهب على هذا القطيع المبدد .. فإذا قلوبهم مجتمعة .. ونوافرهم متآلفة .. وأخلاقهم شاما ..
    كلمات رب العالمين بها ** سما عقل وفيها للظلام كواشف
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : زمزم فينا ولكن أين من يقنع الدنيا بجدوى زمزم ..؟؟!!
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : إن الدعوة إلى الله بأخلاق الإسلام .. روح تجري .. ونفحة تسري .. حقيقة جذابة .. ليس بين النفوس وبين الإذعان لها إلا إشراقها عليها ..
    ولولاها لساوى الليث ذئبا ** وساوى الصارم الماضي قرابا
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    يشهد بذلك العقل والنقل والقريب والغريب والموالي والمعادي .. يذكر الأستاذ النجار أن أحد عقلاء الغرب وقف يخاطب جمعاً من المسلمين يقول : يا أيها المسلمون إنكم لن تستطيعوا أن تسايروا الغرب اليوم .. لا اقتصاديا ولا عسكريا ولا سياسيا ولا إعلاميا ..!! ولكنكم تستطيعون هذا الغرب المتكبر المتغطرس المستعلي يجثوا على ركبهم أمامكم بالإسلام ..!! ثم يقول إيتوني بأربعين شاباً يحسنون فهم هذا الدين فهما دقيقا .. ويحسنون تطبيقه على أنفسهم تطبيق دقيقاً .. ويحسنون عرضه على الناس بلغة العصر عرضا دقيقاً .. وأنا أظمن لكم أن أفتح بهم الأمريكيتين الشمالية والجنوبية ..!!
    حاله :
    ولسوف تشرق شمسكم بسمائهم ** يوماً وليست بعد ذلك تغرب
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    والتاريخ أثبت أن انتشار الإسلام في بقاع من آسيا ورقاع من أفريقيا .. لم يكن بجيوش ولا حشود .. بل بأخلاق الإسلام التي كان يتعامل بها معهم تجار الإسلام ..!!
    ليس بعد اليقين يا عين شك ** أكد الفعل ما حواه الكلام
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : أننا نعيش أزمة أخلاق وإننا أمة الأخلاق .. وإنما الأمم الأخلاق ..
    إذا الأخلاق قد ولى ذووها ** فقل يا موت مر بنا سريعا
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : ألا ما أحوج الأمة الغافلة المنقطعة عن القافلة .. إلى صور مثالية عليا لأخلاق فاضلة .. وليس ذلك إلا في أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاكيا ..
    سل الشيح عنها والخزامى ورندها ** وطيب مغانيها وصفو الجداول
    فالورد والريحان عرف عبيرها ** والمسك كدرة ماءها والعنبر
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : والله وبالله وتالله .. لا نعرف أحداً كمله الله بكل فضيلة ونزهه عن كل رذيلة .. مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..!!
    فلن ترى في وصفه مثيلا ** مستوجب ثنائي الجميلا
    فهو ختام الرسل باتفاق ** وأفضل الخلق على الإطلاق
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    ما فضيلة إلا وهي صفته إتمام مكارم الأخلاق مـن مهمة بعثته .. سئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلقه فقالت تنثر الدر عبقريا عجيبا ** ليس من مسقط ولا من عمان
    قالت : " كان خلقه القرآن " .. ما خُلق سني دعا القرآن له .. إلا كان أول عامل به وداع إليه .. وما خُلق سيء حذر منه القرآن .. إلا كان أول مجتنب له ومحذر منه ..
    وحاله (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) ..
    في وجهه قسمات قد دللن على** ما ضمه القلب من أخلاق قرآن
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) ..
    فكن في إتباع المصطفى مثل عصبة ** وراء خبير في ملغم بقعة
    فمن ينحرف يردى ومن يتبع يفز ** وبين الردى والفوز زح بخطوة
    فلزم صفاته وإياك الملل ** إن يستطل الوصف ولم يستطل
    اجعله نصب العين والقلب ولا ** تعدل به فهو يضاهي المثلَ
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض فحواه : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ) .. صلاح القدوة صلاح الأتباع .. وإن صلحت العين صلح سواقيها .. وإن رشد المربي كان موسى .. وإن هو ضل كان السامري ..
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إنه إيماض برق يكاد يخطف بصر زنيم .. ليس يعرف من أبوه .. نبطي من زجاج مظلم .. نسبة لا يعرف إلا بالسراج .. من أسخن الله عينه وأدنى هلاكه وحينا .. فكشف عن لكنته .. وصرح بسوءته .. يتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويطعن في رسالته وفي خلقه .. بل وفي نسبه .. ويا لله ..
    يريد بقوله تدنيس شمس ** وأين الشمس من دنس وعار
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    ضريبان سلاحه الفسا .. نعوذ بالله وبالله نعوذ .. قد جف من ماء الكرامة وجهه .. لكنه واقحة ولؤم ينقط .. لو أن صاعقة هوت .. ما أثرت في وجه الوقح العديم الماء .. لا تعجبن إذا امتحنت بسخفه .. فالحر ممتحن بأولاد الزنا ..!! إنه شواظ يقول :
    أرعد وأبرق يا سخيف فما ** على آساد غيل من نباح جراء
    أخسأ رقيع فليس كفؤك غير ** ما يجري من الأعفاج والأمعاء
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    لو ذات سوار لطمتني .. والضرورة دعتني .. ولولا الضرورة لم آته .. وعند الضرورات آتي الكنيف!!
    آلا أرغم الله معطسك من شآن .. مغالط أنتن من حلتيت .. وأثقل من كبريت .. وأهدى إلى الظلال من خريت .. وعريت وهريت .. وقطعت وفريت .. وأحرقت وذريت .. وأذبت وأجريت .. أَغريت أم أُغريت .. وضريت أم ضريت .. وتطوعت أم كريت .. ألا خبت .. لو ضربت الجبل بالزجاج ألف ضربة ما انكسر ..!! ولو سترت الصبح بكل شيء ما أنستر ..!! إنه خيار من خيار من خيار زكاه الله وكفاه .. زكى استقامته ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) .. ونطقه ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) .. وعلمه ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) .. وفؤاده ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) .. وبصره ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) .. وصدره وذكره ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ) .. وخُلقه ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .. وزكاه كله ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ..
    فإذا كتاب الله أثنى مفصحا ** كان القصور قصارى كل فصيح
    وأين دوي الذباب والزنبور من نغم الفرقان والزبور ..
    فما على البدر أن قالوا به كلف ** ولا على المسك أن المسك مفتوت
    وطالما أخلي الياقوت جمر غضا ** ثم انطفى الجمر والياقوت ياقوت
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    ومن العجائب والعجائب جمة أن تسخر القرعاء بالفرعاء ..!!
    والشمس لا تخفى محاسنها وإن غطى عليها برقع الأنواء ..
    لكن أنى يرى الشمس خفاش يلاحظها ** والشمس تبهر أبصار الخفافيش
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    إيماض يقول : إن رسول الله عليه وسلم مثلٌ أعلى .. لأقصى ما يبلغه البشر من مراق الكمال .. وغاية تنقطع دونها الآمال .. يقول الصديق من رجح إيمانه بإيمان الأمة : أما كلفتموني أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والله ما ذاك عندي ولا عند أحد من الناس .. والله ما في طاقة متحدث ولو ألقت إليه البلاغة أعنتها .. أن يتقصى أخلاقه ويستوربها .. لكنها تتحدث عن نفسها ..
    فالمسك ما قد شف عن ** ذاته لا ما غدا ينعته بائعه
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    فحسبي وحسبكم أن نُنيخَ ركائبنا على ساحل بحر مسك أخلاقه .. لنظفر منه الليلة بدرة .. وعلى روض ريحان خلاله .. لنشتم منها نفحه .. فيكون العنوان :
    (( إيماض البرق في شجاعة سيد الخلق ))
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    وأنا على يقين أني لن أبلغ .. من تأمل هذا الخُلق .. في هذه الدقائق .. إلا مقدار ما يبلغه واصف الشمس وهو لا يعرف منها إلا أنها كوكب ينسخ طلوعه سواد الليل ..!!
    ماذا عسى بلـغاء اليوم قائلة ** من بعد ما نطقت حم تنزيل
    موضع النجم لا ينال بباع لا تقسه بغيره في جناس .. سبع الغاب ليس مثل السباع .. ما عسى أجمله من ورق العرار إلى العبير والعنبر .. في خير من حملت أنثى ووضعت .. وخير حاف على الدنيا ومنتعل .. إن هي إلا دماجيل للعضد .. وقلائد للجيد .. عجزت فيها عن أداء الواجب .. وأحاول الجبر بالمسنون .. وفضل الله على من يشاء ليس بممنوع ولا ممنون .. وكلن ينفق على قدر استطاعته .. وهو ابن ساعته .. من لم يقل له ربي أعيت عليه مطالبه .. أسالك اللهم أن تجعلها لوجهك الأعلى وأن تقبلها .. أقول والله تعالى المستعان ومن بغيره استعان لا يعان ..
    شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شجاعته ..؟! تناقلتها الأخبار .. وسارت مسير الشمس في رائعة النهار .. حدث عنها لا حرج .. بمكان لا يجهل .. ومنزلة لا تدفع .. تناقلها الرواة بكل فج .. وأهدتها الحواضر للبوادي .. وحسبه أنه نبي .. وأنه أبو الشجعان وصانعهم .. على عينيه ملك الشجاعة فهي طوع زمامه .. ولغيره جمحت وليست تركب .. والذي رفع السماء وعلم آدم الأسماء .. ما شهدت الغبراء أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولا أثبت منه قلبا .. كان طودا لا يتزعزع .. شامخا لا يتزلزل .. لا ترهبه الأزمات .. ولا تهزه الحوادث والملمات ..
    تروى أحاديث الوغى عن بأسه ** فالسيف يسند والعوالي تطلق
    وما رآه فارس إلا استتر ** في فعل النجوم عاين القمر
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    وحسبه أنه نبي ..... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس حين خرج على قومه بدعوة ينكرونها جميعا .. وليس له من معين سوى ربه .. فصدع بها في جميع الأماكن والأزمان والأحوال .. فوق الجبل وفي المسجد وفي الطريق والسوق .. في المنازل والمواسم والحواضر والبوادي حتى في المقابر .. في الحضر والسفر والأمن والقتال والصحة والمرض .. وحين يزور وحين يزار .. دعا من أحبوه ومن أبغضوه .. ومن استمعوا له ومن أعرضوا عنه .. خطيبه يقارع الخطباء .. وشاعره ينازل الشعراء .. دعاته يجوبون الآفاق .. في إستنفار دعوي لم تملك قريش أمامه إلا أن تقول : لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه لعلكم تغلبون ..!!
    بذل كل وسعه .. واستخدم كل أسلوب ووسيلة مشروعة .. في حلم وأناة وهدوء .. قذف بالحق على الباطل .. فأزاح العلل وسد الخلل .. وقال ما يرضي الله وإن أغضب البشر .. فذهب الزبد جفاء وطاعنا حتى لم يجد من مطاعن .. ونازل حتى لم يجد من منازل .. وبقي صلى الله عليه وسلم قدوة .. يصبوا إليها كل من عرف الحق .. وبالحق يدين مثلا .. أعلى لنفس جمعت .. سطوة العادل في أنس الحليم .. فهو الحياء ما حل في بلد إلا بإذن الله أحياه .. وحسبه أنه نبي ..........
    كان أشجع الناس .. حين قوطع وحوصر مع بني هاشم في شعب لسنوات بلا ميرة .. حتى اضطروا لأكل ورق الشجر .. وسمع صوت الصبية يتضائون من شد الجوع .. فصبر وما وهن وما ضعف وما استكان .. حتى انتصر وسقطت المقاطعة .. وأحق الله الحق وأبطل الباطل .. وكذلك الحق لا يتغير أصله وسوسه .. وإن تغير لبوسه ..
    ففي المعادن ما تمضي برونقه ** يد الصباغر لا يصدأ الذهب
    والصخر في ظل العقيدة عسجد والآل في ظل العقيد ماء .. والعز في كنف العزيز ومن عبد العبيد أذله الله ..
    وحسبه انه نبي ........ كان صلى الله عليه وسلم شجاعا أشجع من الشجاعة .. وأشد في الحق من الشدة ..
    ماضي العزيمة والسيوف كليلة ** طلق المحيا والخطوب دواجي
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    سعى كفار قريش إلى عمه أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن لك فينا سنا ومنزلة وشرفا .. وإنا قد إستنهيناك في ابن أخيك فلم تنه عنا .. وإنا والله لا نصبر على ذلك .. فإما أن تكفه عنا أو ننازلك وإياه حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا .. فعظم عليه فراق قومه ولم يطب نفسا بإسلام ابن أخيه لهم وخذلانه .. فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا ابن أخي أبقي علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق .. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاذله .. فحلق وحدق ببصره إلى السماء .. ووقفت الدنيا مشدودة السمع لما تفتر عنه شفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأصاخ الكون وأنصت التاريخ لكلمة التي يتوقف عليها مصير السعادة البشرية والحضارة الإنسانية .. فقال : أترون هذه الشمس .؟! قالوا : نعم .! ففي تصميم يفل الحديد .. وعزيمة لا تعرف الهزيمة .. وتحد يقهر الخصوم اللد .. وإصرار يقتحم البحر بجزره والمد .. قال كلمة صريحة لا يقبل معناها التأويل .. ببلاغة لو قست سحبانا بها ألفيته ذا منطق تمتامي .. قال : والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من إن يشعل أحدكم من هذه شمسي شعلة نار .. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري .. على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .. ثم استعبر وبكى وولى .. كأنما أنفاسه حرجف .. وبين جنبيه لظى واقده .. لو مادت الأجبال من تحته .. أو خرت الأفلاك ما زعزع ..!
    يا لقوة الإيمان وجلال البطولة .. رجل يظن أنه تخلى عنه ناصره الوحيد من أهله .. ثم يقف هذا الموقف العظيم .. إنه ثبات النبوة ..
    إن يكن أعزل فالحق له سيف ولامه ** فهو في جيش من الإيمان ما فل لهامه
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    وقف أبو طالب مأخوذا بما سمع ورأى .. وهو في قرارة نفسه يقول : والله ما هذا إلا نبي كريم .. بلغ أسمى درجات الثقة بالله رب العالمين .. فلن ينكس على عقبيه لأنه يأوي إلى ركن شديد .. فما عليه وبين جنبيه دين .. لو أراد به صم الجبال لما قرت رواسيها .. ثم يناديه أقبل يا ابن أخي فأقبل صلى الله عليه وسلم فقال له : إذهب فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدا .. والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا.. حاله :
    قم وأبلغ نوره للعلمين ** قم واسمعه البرايا أجمعين
    إن تكون في مثل نيران الخليل ** أسمع النمرود توحيد الجليل

    فلم يزل يجهر بالتوحيد ولا يخاف سطوة العبيد ..! وحسبه أنه نبي صلى الله عليه وسلم .......
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    كان أشجع الناس صلى الله عليه وسلم .. عرضت عليه المغريات من مال وملك وشرف وجاه ونساء .. نظير أن يتنازل عن دعوته فأبى ذلك العرض وازدراه ورفضه ..
    متميزا كالليث ديس عرينه ** متوثبا يدعوا الرجال نزالي
    لا تذكروا نار الصواعق عنده ** نار الصواعق عنده كذبالي
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    قال قائل قريش : يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيله .. قد كان محمد غلاما حدثا فيكم .. أصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة .. حتى إذا رأيتم الشيب في صدغيه قلتم ساحر كاهن شاعر مجنون .. والله ما هو بذلك فانظروا في شأنكم .. وما معهم إلا العناد وما بهم من العقل من الإنصاف مثقال درهم .. أجمعوا رأيهم على أن يفاوض ويغرى بالدنيا والنساء .. وهو القائل صلى الله عليه وسلم :" فاتقوا الدنيا واتقوا النساء " .. انتدبوا لتلك المهمة أبا الوليد بن عتبة .. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد أنت خير أم هاشم ؟! أنت خير أم عبدالمطلب ؟! أنت خير أم عبدالله ؟! فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لأنه يريد هدايته .. فمن الحكمة أن لا يدخل معه في معارك جانبيه تعيقه عن ذلك الهدف .. لقد كان بإمكانه صلى الله عليه وسلم أن يقول أنا أفضل وصدق .. فهو سيد ولد آدم أجمعين .. لكنه بذلك قد يضيع الفرصة الذهبية من هداية هذا الرجل .. وكان بإمكانه أن يثني على آباءه بما فيهم من صفات حميدة .. لكنه بذلك يتيح الفرصة أن يلزمه بما يترتب على ذلك من إتباع دينهم .. وقد فعل ولذا آثر بحكمته عدم الإجابة .. فالسؤال لا يستحق ذلك .. لأنه ليس في صميم الموضوع الذي عقد من أجله الحوار .. فهم عتبة ذلك فقال : إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك .. فقد عبدوا الآلهة التي عبت .. وإن كنت تزعم أنك خير منهم .. فقل حتى نسمع قولك .. والله ما رئينا سخلة أشئم على قومه منك .. فرقت جماعتنا .. وعبت ديننا .. وفضحتنا .. والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى .. فيقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف .. فنقتتل حتى نتفانى .. وياله من عور عن الحقيقة ..
    لابد في العور من تيه ومن صلفا ** لأنهم يحسبون الناس أنصافا
    من أين يدري الفضل معدومه ** لا يعرف المعروف إلا ذووه
    تظن بعض القوم علامة ** وهو إذا ينطق بوم يفوه
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..
    ثم ألقى عتبة حباله وعصيه .. إغراءات تغشى البصائر .. وتزيغ الأبصار .. بلغة مسمومة .. ما لامست مستشرفا لها .. إلا أهدته السم ونزعت منه الروح .. وأبقت الجسم .. وكم لعبت بهذا النغمات من نشاز أصابع من على أوتار .. فلم يبالي الصادقون بما وقع منها وطار .. قال : يا محمد إن كان إن ما بك المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا .. وإن كنت تريد شرفا سودناك فلا نقطع أمرا دونك .. وإن كنت تريد ملكا ملكناك .. وإن كان شيئا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب حتى نبرئك .. وإن كان إن ما بك النسا فاختر من أجمل نساء قريش عشرا .. يا محمد قل نسمع ..
    فلوا كان الحديد للينوه ** ولكن كان أشد من الحديد
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    في حلم ورحابة صدر .. أعرض عن كرهات عتبة وأغضى عن سبابه .. وقال في أدب النبوة يكنيه : أفرغت يا أبا الوليد ..؟ قال : نعم ..! فأعلن موقفه الحاسم بشجاعة نادرة .. دون مراوغة أو مداهنة أو استعطاف أو استلطاف .. لأن قضيته قضية عقيدة تقوم على الصراحة والبيان فلا تنازل ولا إدهان ..
    كالكوكب الدري تلقاه ** العز بين يديه والجاه
    والأرض في عينيه خردله ** وعلى عبيد الأرض نعلاه
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    قذف باطلهم بأوائل فصلت .. فالشمس منها سطعت وحسمت .. ورفعت الحجاب .. وأثارت الإعجاب .. ومحت السلب بالإيجاب .. ( حم{1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{3} بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{4} ) ..
    عتبة يسمع القرآن من فم من أنزل عليه القرآن .. فيلقي يديه خلف ظهره وقد فغر فوه مأخوذا بسلطان البيان .. ورسول الله قد استحضر عظمة الله الذي خاطبه به .. يتلوه بكل أحاسيسه ومشاعره .. ويهوي به على إغراءاتهم ومطامعهم ..
    فكان الآي صاعقة عليهم ** تشب على مطامعهم سعيرا
    كذالك السيف أمضى وهو هاو ** واقطع مضربا منه شهيرا
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    لما بلغ قول الله ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) .. هب عتبة مذعورا قد خيل إليه أن الصاعقة حلت به .. فأمسك بفم النبي صلى الله عليه وسلم يناشده الله والرحم إلا صمت .. فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ{119} ) .. انقلب إلى قومه فلما راؤه قالوا : نحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به ..!!
    قد نطقت بضعفه العيون ** ما أبلغ العيون إذ تبين
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    بادروه .. ما وراءك يا أبا الوليد ..؟؟ فقال وقد آمن بسلطان اللغة والبيان وإن لم يؤمن بالقران : ما هو والله إلا أن جئته فعرضت عليه ما عرضت .. ثم سمعت منه قولا والله ما سمعت مثله قط ..! والله ما هو بالسحر ولا بالكهانة ولا الشعر ما فقهت إلا قوله .. ( أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) فأمسكت بفيه وناشدته أن يكف .. ولقد علمتم أن محمد إذا قال شيئا لم يكذب .. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه .. والله ليكونن قوله بالذي سمعته نبأ عظيم .. قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد ..!! فعاد كالكلب بالوصيد .. وكان قريبا على صحة .. فقد داخلته حروف العلل ولا عجب ..!!
    من يكن للجرب خلا .. ليس يخلوا من إصابة .. وهل يبصر الرمداء شمس الضحى .؟؟ وهل يحس بطعم العذب من إيف في الفم ..؟؟ (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ..
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    معشر الإخوة :
    إنها إشارة منه صلى الله عليه وسلم في شجاعة فذة .. مفادها لا لقاء بين الحق والباطل .. لا إجتماع بين النور والظلام .. الاختلاف جوهري يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق .. الأمر لا يحتاج إلى مراوغة ولا مساومة .. ليس إلا الخروج عن الكفر بجملته إلى الإسلام بجملته .. وإلا فالبراءة التامة .. ( لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) .. إن قوة الهجمة اليوم على الدين .. ينبغي أن تقابل برد في غاية الوضوح .. بعيدا عن التعميم والتمييع .. فالأمر جد لا هزل فيه .. ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) .. لا بد من الوضوح التام .. في القضايا المصيرية التي لا تحتمل إلا وجها واحدا .. ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} ) ..
    من يملك النبع لن يحتاج من ظمأ ** إلى الدلاء ولن يحتاج للقرب
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    يا ابن الإسلام .. إن الرؤوس التي رفعها الإسلام تأبى أن تخضع لغير الإسلام .. وإن الألسنة التي استقامة على قول الحق .. تأبى أن يلويها لاوي لغير الحق .. الإسلام دعوة ربانية لا مجال فيها للمساومات .. مهما كانت الدوافع والإغراءات والمبررات .. فإذا نثر الحب وتساقطت العصافير .. وطرح الأب وتهافتت اليعافير .. فكن ليثا ديس عرينه .. ووسم عرنينه .. وأبرق وأرعد .. وقلها بملأ الفم .. مطعم خبيث لا يأكله إلا الخاطئون .. والذي خلق الضب وأنبت النجم والأب .. وفلق النوى والحب .. لو حالف بطن الراحة الشعر .. وسقطت السماء على الغبراء .. وصار الشرق غربا والشمال جنوبا .. فإني لأرجوا الله أن لا يزل لي قدم .. ولا يزيغ لي بصر .. ولا أحيد عن مبدأ حق .. إني على بينة من ربي ..
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    ألا يا قبح الله شهوة أبيع بها ديني ..!! وأعق بها سلفي ..!! وأهين بها نفسي ..!! وأهدم شرفي ..!! وأكون عارا على أمتي ..!!
    عرى العقيدة جلت عن مساومة ** ما قيمتي في الملا من غير معتقدي
    هل يصير الحر عبدا آبقا ..؟! هل يصير الصقر مثل الرخم ..؟! هل يتيه الشهم في أوهامه ينحني بعد بلوغ القمم ..؟! .......... لا .......... لا يكون العير مهرا لا يكون .. المهر مهر .. المهر مهر .. وحسب أنه نبي ....
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس .. كبير الهمة .. لا ينقض عزمه .. ولا ينكث عقده ..
    أصالة عزم أخجلت كل صارم ** من البيض حتى خاف أن يتجردا
    وحسب الفتى من عزمه خير ** صاحب يؤازره في كل خطب يئوده
    فإن لم يكن للمرء من عزماته ** نصير فأخلق أن تخيب جذوده
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    أشار الشباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أحد .. بالخروج إلى المشركين خارج المدينة .. وكان صلى الله عليه وسلم يرى القتال داخلها .. فنزل على رأيهم .. وعلم الله أنه ما به إليهم من حاجة .. ولكن ليستن به من بعده من القادة .. كما قال الحسن رحمه الله .. صلى بالمسلمين ثم دخل منزله .. فتدجج بسلاحه وخرج في كامل عدته .. وأمرهم بالخروج إلى العدو .. فندم ذوي الرأي منهم حين شعروا أنه أشاروا عليه بخطه كان يفضل غيرها .. فقالوا : يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك فامكث واصنع ما شئت .. فأتى بالإعجاز في باب الإيجاز .. وقال بقلب أسد في همة تدك الجبل الأشم والخصم الألد : ما كان لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ..
    ماض البصيرة غلاب إذا اشتبهت ** مسالك الرأي صاد الباز بالحجل
    إن قال برا وإن ناداه منتصر ** لبى وإن هم لم يرجع بلا نفلي
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..
    وحسبه أنه نبي .......... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس ..
    هو للصديق كما يحب وللعدى ** عند الكريهة ضيغم زئار
    يجتمعون على حربه .. ويحرض بعضهم بعضا .. للوقوف في وجهه .. وعدم التقصير في عداوته .. ويتطاولون عليه بالسخرية .. وهو صامد كالجبل الشهيق في علياءه .. يقرر أن ما جاء به سينفذ .. لو كان الثمن إهلاك هؤلاء الصناديد .. وحاله :
    إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا ** لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    يقول عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما : اجتمع أشراف قريش في الحجر .. فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قالوا : ما رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل .. سفه أحلامنا .. وعاب ديننا .. وفرق جماعتنا فبين هم كذلك .. إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأقبل يمشي حتى أستلم الركن .. وعداته منه تغص وتشرق .. فمغرب من غيظه ومشرق .. ثم مر بهم وهو يطوف بالبيت .. فغمزوه ببعض ما يقول .. وأشاروا بأعينهم وحواجبهم .. وهروا هرير المجحرات اللواهث .. قال ابن عمر : فعرفت ذلك في وجهه إذ تغير .. وظهرت عليه علامات الغضب .. ثم مضى فغمزوه بمثلها .. ثم مضى فغمزوه بمثلها .. فإذا السكون تحرك .. وإذا الخمود تلهب .. وإذا السكوت كلام .. يستنزل الهلك من أعلى منابره .. ويستوي عنده الرعديد والبطل .. فسل حساما من بيان فهومه .. فرد سيوف الغي مفلولة الحد .. قال : تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده .. لقد جئتكم بالذبح .. ألا إنها لو تنزلت على جبل .. أهوت به وهو خاشع .. فأخذت القوم كلمته .. حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر ..
    حال الجريظ دون القريظ .. صادف در السل در يدفعه .. في هضبته ترفعه وتضعه .. وإن أشدهم وصات على إيذاءه .. ليرفؤه ويسكنه بأحسن ما يجد من القول .. يا أبا القاسم انصرف راشدا والله ما كنت جهولا .. والله ما كان جهولا صلى الله عليه وسلم ..
    لكنه جبل الوقار رسا وأشرف ** واعتلى وسما فطأطأت التلال رؤوس
    من أنكر الفضل الذي أوتيته ** جحد العيان وأنكر المحسوس
    كذلك كان إذا غضب .. ولا يغضب إلا لله ثم لا يقوم لغضبه شيء ..
    فإذا أوثير رأيت بركان رمى ** حمما ودك الأرض زلزالا
    ترى الرجال وقوفا بعد فتكته ** بهم يظنون أحياء وقد قتلوا
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    وحسبه أنه نبي ............ كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس .. أدركته القائلة في إحدى غزواته في واد كثير العظاح .. فنزل تحت سمرة وعلق بها سيفه .. وتفرق عنه أصحابه .. فجاء أعرابي فاختلط سيفه وسله .. ويا لله عدو متمكن وسيف شاهر وموت حاضر .. يقول : يا محمد أتخافني ..؟؟ فلا نفس جزعت ولا حال تغيرت ولا روعة حصلت ..!! وما كان إلا الرعد دعوى هديده .. يقول : ......... لا ........
    كأنما الليث شبيه له ** فهو أخو الليث لام وأب
    من اتق الله فأسد الشرى ** لديه مثل الأكلب العاوية
    قال : فمن يمنعك مني يا محمد ..؟؟ فاستحضر عظمة الله وقدرته ونصرته لأولياءه .. وقال ..
    يهوي فصيح القول من لهواته ** كالصخر يهبط من ذرى ثهلان
    ............ الله ........... فخارت قواه وانحلت وسقط السيف من يده وأمكن من نفسه .. وقال : كن خير آخذ يا محمد فعفا عنه يتألفه .. فالله ما أشجعه وما أحلمه ..
    تهوي الجبال الراسيات وحلمه ** في الصدر لا يهوي ولا يتزعزع
    رجع الأعرابي إلى قومه يقول جئتكم من عند خير الناس .. حاله :
    قضيت التعجب من أمره ** فصرت أطالع باب البدل
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..
    وحسبه أنه نبي .......... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس .. خبيرا بفنون المنازلة .. يزلزل الخصم فيوهي بنيانه .. يقوض أركانه .. يرعب جنانه ..
    عزيمته ترد الغمد سيفا ** وحكمة تر السيف غمدا
    إن تعدوا يا سيف لتستعينه ** أجاب قبل أن تتم سينه
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    ثبت في سنن الترمذي رحمه الله .. أن ركانة مصارع لم يضع أحد جنبه على الأرض .. طلب منازلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصارعته تبجحا بقوته وإعجابا ببنيته وسطوته .. معه ثلاث مئة من الغنم وقال : يا محمد هي لك أن تصارعني ..؟؟
    وساوس إبليس تغشى النظر ** وتخفي عن العقل نور الفكر
    أي ركان أرح المطية ولا تكن ** كمحاول صيد النجوم من المياه الركد
    هل لك أن تصارعني يا محمد ..؟؟ فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العرض وسيلة لهدف أسمى من المصارعة .. وهو إسلام هذا الرجل مع توظيف هذه الطاقة المتفجرة لإعلاء كلمة الله .. لا يريد صرعه لا يريد قتله .. وإنما يريد حياته .. فما هو إلا الغيث .. أما وقوعه خصب .. وأما ماؤء فطهور صلى الله عليه وسلم .. عامله صلى الله عليه وسلم على أنه غريق بحاجة إلى من ينتشله .. حاله :
    يا رب حيران لو شئته ** تدا ظمئآن لو شئت وردت
    يقول له : وما تجعل لي إن صرعتك ..؟؟ فقال : مئة من الغنم .. فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه .. فقال ركانة : هل لك في العود ..؟؟ قال صلى الله عليه وسلم : وما تجعل لي إن صرعتك ..؟؟ قال: مئة أخرى فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه ..
    هو بالله وهل يخشى انهزاما ** من يكون الله في الدنيا نصيره
    قال : هل لك في العود ..؟؟ قال صلى الله عليه وسلم : وما تجعل لي إن صرعتك ..؟؟ قال المئة الباقية فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرعه .. ثم بقي عليه كسرت شوكته ومالت هامته .. ارتطم بالأرض ظهره هوى بأسه وهوت قواه .. ومع ذلك فقد ذهب ماله وصار حاله :
    وإني لمقدام وعندك هائب ** وفي الحي سحفان وندك باقل
    ثم قال : يا محمد والله ما وضع جنبي على الأرض أحد قبلك .. وما كان أحد أبغض إليّ منك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .. حاله : والله ما على الأرض أحد أحب إليّ منك اليوم
    وأسبلت العينان منه بواكف ** من الدمع يجري بعد سح بوابلي
    والليل ولى والظلام تبددا ** والصبح أشرق والضياء تجددا
    فصار حال ركانة .. عملت الجزم بي .. وخفضت مني محل النصب .. ثم رفعت حالي .. قام عنه صلى الله عليه وسلم ورد عليه غنمه .. وهدفه هدايته .. فما الدنيا والله ببغيته .. يرى الدنيا وإن عظمت وجلت لديه .. أقل من شسع النعال .. ومن شيمة العضب المهند .. أنه يخاف ويرجى مغمدا ومجردا .. وحسبه أنه نبي .....
    تبلى عظامي وفيها من محبته ** حب مقيم وشوق غير منصرم
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس .. لا يجارى في قوة رأيه وإدراكه وبعد نظره فطن ..
    تكاد العمي تبصر الدجى لو ** أنها اكتحلت بنور ذكائه
    وقف ضد رغبات أصحابه يوم الحديبية حين بركت ناقته فأعلن مقسما .. والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم .. حاله : مع حرمات الله فديتك بالسويدا من فؤادي .. ومن حدقي فديتك بالسواد .. دارت المفاوضات وسدت قريش السبل وأشيع مقتل عثمان رضي الله عنه .. فبايع أصحابه تحت الشجرة على الموت وعدم الفرار .. وتحت ذلك التصميم أرسلت قريش سهيل للصلح ..
    ولا ملامة إن هابوا وإن حرجوا ** لا يزار الليث إلا فرق الغنم
    أجبتهم معلنا بالسيف منصلتا ** ولو أجبت بغير السيف لم تجبي
    النبي صلى الله عليه وسلم يفاوض من مركز قوة .. ويتنازل في بعد نظر وأصالة رأي .. عن بسم الله إلى باسمك اللهم .. وعن رسول الله إلى محمد ابن عبدالله ..
    عذب المناهل غير أن ورودها ** نار المنايا حوله تتأجج
    وكانت قريش إذ تأبى لشرطها ** كباحثت عن مدية تستثيرها
    رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل برد من جاء من المسلمين مهاجرا ولا العكس .. ويعلل ويقول : من ذهب منا إليهم فأبعده الله .. ومن جاءنا فرد جعل الله له فرجا ومخرجا .. وثقل ذلك على المسلمين وذهلوا عن أنفسهم .. لما أعيد أبو جندل رضي الله عنه إلى أبيه يرفس في قيوده .. يضربه أبوه في وجهه ويأخذ بتلابيبه وهو يستصرخ .. أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ..؟؟
    فاضطرمت القلوب واضطربت .. وزلزل الهم قاصيهم ودانيهم .. حتى السماء رأوها غير ما عهدوا .. أما الصديق رضي الله عنه فقد تلقى ذلك بالرضا والتسليم .. فكان قلبه على قلب محمد صلى الله عليه وسلم حاله :
    والكف ليس الزند ينكر قربه ** والعين لا يقسوا عليها المحجر
    من لحمه لحمي ومن دمه دمعي ** وعلى محبته أموت وأحشر
    أما عمر رضي الله عنه لعظم الوارد عليه .. أبى إلا أن يعلن عما في نفسه فيقول : يا رسول الله ألست نبي الله حقا ..؟؟ ألسنا المسلمين ..؟؟ أليسوا بالمشركين ..؟؟ ألسنا على الحق وهم على الباطل ..؟؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي عمر حرية إبداء رأيه .. مع تسديده بلا عقاب ولا تجريم .. ويقول لعمر في كل ذلك : بلى .. بلى .. فيقول عمر : فلم نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله .. فيقول صلى الله عليه وسلم إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري .. ويذعن الفاروق ويؤنب نفسه بعد .. وماهي والله إلا غيرة على الإسلام منه .. فهم بعدها هو وغيره إنما يحقق المكاسب العليا للإسلام .. فهو السنة النبوية والسياسة الشرعية التي يجب أن تقتفى .. فأذعنوا وندموا وعرفوا قصورهم فاقتصروا ..
    أخاطب البرق إن يسقي ديارهم ** ولو أراد بدمعي أو أراد دمي
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..
    معشر الأخوة:
    ومع ما فيه الصحابة من غم لا مزيد عليه .. لم يخرجوا عن طوع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهم يرون سهيل فردا في جيش يتمادى في تفاوضه .. فلم ينله أحد بأذى وإنما مرجعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ورسول الله يسعه بالحلم حتى وصل إلى الغاية المنشودة من الصلح .. وانبلج الصبح فإذا الصلح فتح .. والغبن في الظاهر نصر .. سمعوا كلام الله وعظمت حرمات الله ..
    وكلما أوقدوا نارا بها احترقوا ** وأحدثوا الحرب فيهم يحدث الحرب
    هكذا تبدوا شجاعة وسياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملاقة .. إلى جانب سطحية التفكير لدى زعماء المشركين .. فشرطهم الذي اشترطوه تعنتا واستعلاء .. كان وبالا عليهم حيث سبب لهم حروبا عصابات على أيدي أبي بصير وصحبه لم يحسبوا لها حسابا ..
    حتى أقامت رؤوسا كان يحبلها ** أجلاف قوم وفي أعناقهم صعر
    فقدوا الهدف الأعلى من الصلح .. وهو تأمين طريقهم إلى الشام .. فعادوا خاضعين ذليلين يعلنون تنازلهم عن شرطهم الجائر .. ويرجون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤوي كل من جاءه من المسلمين ..
    فصار لواء الحق بالنصر خافقا ** وظل لواء الشرك بالذل يقهر
    فما هو في صورته الظاهرة ظيم للمسلمين .. هو عز وفتح ونصر مبين .. نزلت السكينة على المؤمنين ودخل في دين الله أضعاف ما دخل قبل من المشركين .. وما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه .. وتم تحييد قريش وتكبيلها بهذه المعاهدة .. فلم يفكروا في الحرب لعشر سنين ..!! فحول المسلمون المعركة إلى اليهود وغيرهم من المجرمين ..
    عافوا المذلة في الدنيا فعندهم ** عز الحياة وعز الموت سياني
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..


    تلكم هي الشجاعة حقا يا معشر الإخوة :
    تريث في غير عجلة .. تثبت في تؤدة .. بعد نظر في أصالة رأي .. لزم الوحي مع اتهام الرأي .. قضاء المصالح على أحسن وجه .. درء المفاسد في أجمل هيئة ..
    من يلاقي النار بالنار يزهدها ** لهبا إطفائه يغدوا محالا
    الحد والشدة ليست لوازم قوة .. والتعقل والمدارات ليست مؤشرات ضعف .. والحزم والقوة والشجاعة حقا فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي ..!!
    وريث المثابر أمضى خطا ** وأبلغ من قفزات الصخب
    وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليس الشديد بالسرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"
    والسيف لا يمضي بدون روية ** والرأي لا يمضي بغير مهند
    وقد يدفع الإنسان عن نفسه الأذى ** بمقوله إن لم يدافعه باليد
    .. .. .. .. .. .. .. .. ..

    كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس .. خاض غمار الحروب في سبيل الله .. لإعلاء كلمة الله حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله ..
    أزال ظلام الغي عن نير الهدى ** وحكم سيف الحق في كل باطل
    مضى فعله المشتق من مصدر العلا ** فصح له منه اشتقاق اسم فاعل
    في يوم حنين اختل نظام جيشه وانفض عنه معظمه .. وهو ثابت في الميدان لا يبرح .. مقبل لا يدبر .. ظاهر لا يتوارى .. وكيف يتوارى عن الموت .. من يوقن أن موته انتقال من حياة نصب ومشقة .. إلى ما اشتهت نفسه ولذت عينه .. يركض بغلته البيضاء في نحر العدو .. ويترجل عنها حينا .. فلا يرى أحد أشد منه يومئذ .. كالسيل في دفعاته .. والسيف في عزماته .. والموت في وثباته .. يشهر نفسه وهو هدف العدو الأعلى .. ويزأر .. هلموا إلي أيها الناس .. أنا رسول الله .. أنا محمد ابن عبدالله .. أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبدالمطلب ..
    تخرج الألفاظ من فيه كما ** تخرج الدرة من جوف الصدف
    له عزمة لو صادمت ركن يذبل ** ورضوى لهدت يذبل ومحت رضوى
    مناديه ينادي : يا أصحاب السمرة .. يا أصحاب سورة البقرة .. فجر النداء مكامن الإباء .. وثاب الفار منهم ولبى .. وأما الصوت وحاله : يا رسول الله هانا ذا ..
    أنا بعض منك والكف على ** كل حال لا تضيع المعصم
    وحمي الوطيس وبذل النفيس .. ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه القوم بقبضة من تراب قائلا : شاهت الوجوه فما خلق الله إنسانا منهم .. إلا ملئت عيناه من تلك القبضة فولوا مدبرين ..
    قد زلزل الرعب أيديهم وأرجلهم ** وعاد ثعلب قفر ذلك الأس
    ابو الفداء
    ابو الفداء
    مشرف
    مشرف


    الإقامة : عزبة زايد
    عدد المساهمات : 103
    نقاط : 55312
    تاريخ التسجيل : 05/05/2010

    إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق (على القرني) Empty رد: إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق (على القرني)

    مُساهمة  ابو الفداء الخميس مايو 13, 2010 10:26 am

    بارك الله فى الشيخ الفاضل الفصيح


    الشيخ على القرنى


    وجزيت خيرا

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:44 am